كم آسفني هذا المنظر. رأيتُ رجلاً يجمع نفايات سيارته في كيسة كبيرة ثم يرميها في الشارع! لا عذر له. لو كان مجنوناً أو طفلاً لا يَعقل لعُذِر، لكن ما عذر الكبير العاقل أن يرمي نفاياته بهذه الطريقة القبيحة؟ أولاً هناك الوقاحة في هذا الفعل، فهذا الفعل صفيق وفيه لا مبالاة واستهتار بباقي الناس، وقد يكون عذره: وما البأس؟ إنه شارع وليس بيتاً. وهذا الشخص (وكل من يرمي النفايات في الشارع) لا شك أنه لن يرضى أن يرمي أحد النفايات أمام بيته، ولو أنّ أحداً فعل هذا لغضب واستاء كثيراً، ولكن يمكن أن نرد عليه بأن نقول: وماذا يغضبك؟ لَم نرمِ النفايات داخل بيتك، بل فقط أمامه! ثانياً: الشارع ليس ملكاً للموسِّخ، بل هو ملك لنا جميعاً. كلنا نقود السيارات ونمشي بأرجلنا في تلك الشوارع. «لكن أنا رميت نفاياتي في مكانٍ بعيد! لماذا اللوم؟». يا صاح، كلنا يتأثر بأي نوع من التلويث للشارع، ولو كانت كيسة أو ورقة تتطاير أمامنا فمنظرها يؤذي، وحتى من يرمي نفاياته في أماكن نائية فإنّ النفايات ستجد طريقها للمدينة وإلى بيوت الناس بفعل الرياح. في اليابان من الأساسيات التي يتعلمها الأطفال في بعض المدارس أن ينظفوا فصولهم كل يوم لمدة 20 دقيقة، فيكنسون الأرض بأنفسهم ويرمون النفايات ويمسحون السبورة. لا عجب أنهم من أرقى وأنظف شعوب الأرض. هذه نظافة عملية يطبقونها وليست مجرد كلام نظري لا يأبه به الطالب. قد يقول: «طيب، جُلُّ حجتكم حتى الآن هي أن النفايات تشوّه الأماكن العامة، والحقيقة أنّ هذا ليس سبباً قوياً». والجواب: بل المنظر النظيف الراقي له أهمية نفسية، لكن أضرار التوسيخ أوسع وأكبر مما يظن المرء، فأولاً هذه النفايات خطر على الصحة، فهي تجذب الآفات الحية مثل الجرذان والحشرات والعقارب، وقد تجعلها تترك جحورها في البراري والصحاري وتأتي للمدينة لتبحث عن الغذاء، والجرذان التي نشرت الطاعون في أوروبا فإنها اليوم تنشر أمراضاً أخرى مثل مرض ويل Weil's disease والذي يمكن أن يقتل. ومن يرمي السجائر المشتعلة من نافذته يعرض نفسه وغيره لخطر كبير، ففي 1999م رمى أحدهم سيجارة من سيارته فدخلت إلى مدخل الهواء في شاحنة فأشعلت مصفي الهواء (الفلتر) ومن ثم بقية المحرك، وزاد الحريق حتى اشتعلت الشاحنة وقُتل 39 شخصاً في نفق مونت بلانك الذي يربط إيطاليا بفرنسا. رمْي الزجاج - مثل علب الغازيات والبيرة - يكسرها إلى قطع صغيرة ويعرض المشاة للجروح ومن التلوث والعدوى، والتي يمكن أن تسبب قَطع القدم أو التهاب الكبد الوبائي فئة «ب» و «ج». وحتى أكياس الشاورما والأوراق وأغلفة البرغر التي تُرمى لا يستهان بها فهي مصدر للحريق، ففي عام 1985م سقطت سيجارة مشتعلة على بعض النفايات في ملعب مدينة برادفورد البريطانية، ولو لم تكن هناك نفايات لطَفِئت النار من ذاتها، لكن النفايات المتكومة اشتعلت واحدة تلو الأخرى حتى أصيب من الجمهور 265 وقُتِل 56. نحن أولى من الغربيين والشرقيين بالنظافة. ديننا دين النظافة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيل قمامة بيته بنفسه، وحثنا أن نزيل الأذى من الطريق، حتى أنّ رجلاً أُدخِل الجنة بسبب جذع شوك أماطه من طريق الناس. لنجعل مدننا نظيفة جميلة تشرح الصدر. لنعاهد أنفسنا أن نرمي النفايات في الحاويات المخصصة لها، وأن لا نرميها في الشارع أبداً، ونحن أول المستفيدين.