على طرف ذاك النهر.. كانت هناك مسنة يتلبسها الوقار ويرتسم على ملامحها الهدوء.. دائما أراها.. تجلس عند طرف ذاك النهر.. أحسست أن ثمة سببا يجعلها لا تنفك عن المجيء عنده اقتربت.. وجلست بقربها.. ليس من أحد سوانا هناك، كنت أسرق النظر في وجهها. وأبحث فيما تنظر.. هناك حزن يبتسم في عينيها.. لا أعلم رغم جهلي بها.. مالذي شدني.. للجلوس قربها.. كنت أبحث في داخلي عن أي موضوع.. لارى كيف رزانة حديثها.. سألتها.. ترى بنظرك مالحب قالت بهدوء.. ساحر اثنان.. صامتين.. عيونهم تفهم ما وراء ذلك الصمت دون حاجة للحديث اثنان.. يملكون لغة ليس بوسع أحد فهمها كانت تتكلم.. وعيناها.. تترقرق.. حزناً مبتسم.. قلت: أشعر أن ردك هذا.. هو لوحة لتجربة سابقة أطالت التأمل.. ثم قالت بعد صمت طويل ساد بيننا: قد تسمين ما ستسمعينه ضرباً من الجنون.. إلا أن هذا الجنون كنت فيما مضى أستلذ به.. لحظتها وما زالت هذه اللذة. لأنني مازلت أتذكرها جيداً كما لو عشتها بالأمس كان حبي يتيما.. مشرداً.. أو بالأصح تعيساً كان هذا الحب من طرف واحد.. كنت أنا هذا الطرف كنت أحبه بصمت.. كانت عيني تفضحني حين أراه هذا الشخص لم يكن لي.. لذا كُنت أخلق الصدف الذي تجمعني به قررت الاقتراب منه ك أخبرته.. أني أتقن غناء الأوبرا.. كنت أغني له.. وعينيه تبرقان حباً.. في لحظة ما ظننت أن ذلك الحب الذي يتراقص في عيناه هو الحب الذي طالما تمنيته ظننت أن حبي.. المشرد.. قد التم شمله .. وقررت أن أصارحه.. ولن أنتظر أكثر ظنا مني.. أنه متردد في مصارحتي * وحين أوشكت ع الحديث سبقني وابتدأ الحديث.. كان متلهفاً.. وكنت أرقص على الجحيم منتظرةً شيئاً من هذا الاعتراف.. قال: أظن أن أحداً ما قد أوقعني.. في لحظة مفاجئة مني. دون سابق تفكير.. ضممت يديه.. مشيرة برأسي أكمل وأنا أحدث نفسي.. هيا انطقها.. انتظرت كثيراً.. وتوسلت للقدر أن أعيش هذه اللحظة.. أرجوك.. لا تتردد قال.. آه لو ترين ذلك الشباب المتراقص في عينيها.. بدأت تتحول حرارة دمي إلى برودة متدفقة في شراييني وعدت لحديث نفسي.. أنا لا أجيد الرقص.. إذا أنا لست من أوقعته.. أنا لم أكن الفتاة التي يتلهف في الحديث عنها لا أعرف.. كنت دائماً فتاة لا تجيد تمالك نفسها.. ولا ربط زمام مشاعرها.. لكن أعرف شيء واحد أني أحببته.. للدرجة.. التي حين صارحني بحب احداهم تمالكت نفسي.. و نظرت له بعينين منكسرة.. وشفتان ترسم وراء ابتسامتها خيبة أحببته للدرجة التي لم أرد إظهار خيبتي ولا إسكات لهفته.. رغم أن أخرى كانت هي المحظوظة بذلك إنها بالفعل فتاة محظوظة.. لم تخلق الفرص.. لتملك الحب الذي تبحث عنه لم تسرق اللحظات لتكون معه.. هي محظوظة كثيراً لأن هناك من يتحدث عنها بلهفة وشوق ساحر محظوظة لأن من أُحبه.. يتحدث عنها وعينيه.. تبرق حباً وسعادة.. تحول ذلك الحزن المبتسم في عينيها.. إلى دموع.. صامتة.. وارتسمت في عينيها نظرات الانكسار.. سألت.. بحزن: ما الذي حل بعد ذلك؟ أجابتني وهي ترمق السماء.. لا شيء مما كنت أنتظره قد حصل.. الحب الذي تمنيت امتلاكه.. لم يُخلق لي تزوج من ذات النظرات الشبابية المتراقصة وعاش عمر الستين برفقتها.. أما أنا.. اتجهت إلى إعطاء دروس الأوبرا للشباب.. آخر سؤال.. أو بالأصح آخر حوار.. سألتها.. أليس من ثمة حب آخر بعده؟؟ همت بالنهوض.. وقالت الحب الذي انتظره.. لم يُخلق بعد.. أو بالأصح.. انتظار الحب وتمنى امتلاكه.. في العشرينات.. لا يشابه انتظاره في الستين.. ففي عمر الستين.. كل الأشياء تصبح ذابلة.. والحب.. على مشارف الاحتضار،! فلماذا أنتظر شيء.. لم يُخلق لي بعد.. بالأساس.. ما عاد لي في هذا العمر وقت للانتظار أمنياتي الآن تتجلى.. أن أموت بكل هدوء.. على صخب أغنيات الأُوبرا .. على الأقل هي الشيء الوحيد رغم أنها تذكرني به إلا أني لم أفقده بعد.. وانتهى لقاؤُنا بعد أسبوع .. من لقائي بتلك العجوز قررت معاودة التنزه قرب ذلك النهر.. علّي أجدها.. وأتجاذب معها حديث لا يُمل منه.. على ذلك النهر.. لم أجدها.. وجدت شبابا يغنون الأوبرا ويرمون الزهور في النهر.. قال لي أحدهم.. بالأمس.. معلمتنا المسنة رحلت..