قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]. عذرًا أبا عبدالعزيز، ما عهدتك إلاَّ مبتسمًا، يداري آلامه، وحتى شجونه، ولكن عندما رأيت دموعك الغالية الحزينة لحظة وداعك الأخير لفلذة كبدك الابن الغالي سلطان -أسكنه الله فسيح جناته- اختنقت عبراتي، وطواني صمت قاتل، وقلب واجل، وتاهت كلمات العزاء، ولزمت الصمت والدعاء، فالصمت كان عنوان الحضور. ففي وقت المحن ولحظات الوداع تشعر الكلمات بالغربة والانهزام، فتبقى حبيسة في صدورنا حين لا تستطيع البوح والتعبير عن ما بداخلنا. لقد عز علينا مصابك الجلل بفراق الحبيب سلطان، فحزنك حزننا، وألم فقده ألمنا. فكم هو مؤلم فراق الأحبة، ونزيف العين لا يطفئ جرح القلب، ولكن هكذا نحن والحزن فقد اعتدنا أن نجالسه، فالأشياء الجميلة في حياتنا تستعجل دائمًا الرحيل مع يقيننا بأن الدنيا فانية زائلة، والموت حق نسير إليه، ولا ندري كيف ومتى موعده. ولكننا نحمد الله الذي اختار أن يقربنا منه بما ينزله علينا من مصائب، فاللهم لا اعتراض على قضائك وقدرك.. ونحن مؤمنون بالموت حقيقة.. ولكل أجل كتاب، وكل نفس ذائقة الموت. أوصيك أخي هاني بالصبر، والرضا بقضاء الله وقدره. ونسأل الله أن يعوّضك خيرًا ممّا فقدت، وأن يثيبك على ذلك ثواب الصابرين المحتسبين، واعلم أن الله قد وعد الصابر على فقد ولده بالجنة، كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلاّ الجنة". اللهم إنا نستودعك سلطان، فأكرم مثواه، وتجاوز عن خطاياه، وأسكنه منازل الصديقين والشهداء، اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وأسكنه فسيح جناتك، اللهم ازرع الصبر في قلب والديه وإخوانه، ولا تجعل للجزع سبيلاً إلى قلوبهم. فعندك اللهم نحتسب أصفياءنا، وأصدقاءنا، وأحبابنا، وآباءنا، وأمهاتنا، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. "إنا لله وإنا إليه راجعون".