قبل أن أدخل في موضوع المقال، يجب أن نتفق جميعاً على أنه من بديهيات العمل الإداري في أي شركة تستهدف الربح أن يتم عمل دراسات جدوى تتضمن تقديرات لحجم المصروفات الرأسمالية والمصروفات التشغيلية مع تقديرات لحجم الإيرادات وصافي الأرباح المتوقع تحقيقها مستقبلاً، وعلى ضوء دراسات الجدوى هذه (بمقارنة العائد المتوقع مع المصروفات المتوقعة) يقرر الرؤساء التنفيذيين الدخول أو عدم الدخول في أي مشروع جديد، و في حال قرار الدخول يتم غالباً رفع توصيات مدعومة بدراسات الجدوى لأخذ موافقة أعضاء مجالس الإدارات. طالما اتفقنا على هذه البديهيات، ما يضحكني حقيقة أن عددا كبيرا من الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية (وهي كما نعلم شركات مساهمة عامة تستثمر رؤوس أموال ضخمة) تعلن عند الدخول في مشروعات أو استحواذات جديدة أنه «يصعب قياس الأثر المالي» لهذه المشروعات أو الاستحواذات الجديدة!!! و هنا اسمحوا لي أن أتوقف قليلاً عند هذه العبارة المضحكة التي تتكرر كثيراً في الإعلانات الرسمية للشركات و التي تؤكد لنا المستوى الخطير الذي وصل له الجهل الإداري و المالي لدى العديد من الشركات المدرجة في السوق المالية وتحديداً في إداراتها التنفيذية و أعضاء مجالس إدارتها!! فعندما نقرأ عبارة «يصعب قياس الأثر المالي» فهي تعني لنا و بوضوح أن الشركات عندما قررت الدخول في مشروعات أو استحواذات جديدة فهي قررت ذلك دون وجود دراسات جدوى ودون وجود تقديرات (ولو جزافية) للعائد المتوقع من هذه الاستثمارات بمعنى أن هذه الشركات قررت الالتزام بمصروفات رأسمالية وبمصروفات تشغيلية أمام أطراف أخرى لغرض الإنفاق ليس إلا، وهذا بدوره يعطي مساهمي الشركات فرصة ذهبية للمطالبة بإبعاد هؤلاء الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارات سواء بقرار من الجمعية العامة للمساهمين أو بقرار من معالي وزير التجارة نتيجة لاعترافهم بشكل غير مباشر بسوء الإدارة في أمور بديهية وبتفريطهم بالموارد المالية. من جانب آخر، أنا أستغرب سكوت هيئة السوق المالية وشركة تداول ولسنوات طويلة على تكرار استخدام هذه العبارة على موقع تداول كما لو أن الأمر لا يعنيهم بشيء، وفي رأيي المتواضع كان يجب عليهم بدء التحقيق فوراً مع أي شركة تستخدم هذه العبارة مع مساهميها وإذا ثبت أن الشركات قامت فعلاً بعمل دراسات جدوى تبين العائد المتوقع من هذه المشروعات أو الاستحواذات ولم تفصح عنها، فسيكون أمامهم دليل واضح على سوء نية الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارات في استخدام المعلومات الداخلية بما يخدم مصالحهم على حساب بقية المساهمين وهذا كاف لإدانتهم جميعاً وبكل سهولة.