منذ مساء الخميس الماضي والكرة الأرضية لا تتكلم إلا كرة قدم.. حيث سرق كأس العالم الأضواء مما سواه.. ولم يعد هنالك من حديث يعلو على غيره.. فبمجرد إطلاق صافرة الحكم الياباني يوشي نيشيمورا معلنة بداية لقاء المستضيف البرازيل بكرواتيا استسلم العالم للمستديرة مندهشاً مبهوراً من هذا المحفل.. وكأن مفعولها أشبه بالتنويم المغناطيسي فلا شيء غيرها يسترعي الانتباه أو يثير الاهتمام. لكن المثير للحزن والجالب للأسى هو أننا بعدما كنّا ضيفاً دائماً على البطولة بل وضيفاً ثقيلاً في المشاركة الأولى في مونديال أمريكا سنة 1994م.. أصبح المنحنى الأدائي لمنتخبنا في النزول قبل أن يخرج بالأمتار الأخيرة في تصفيات كأس العالم 2010م.. في حين كانت التصفيات الأخيرة لمونديال البرازيل أشبه بالكارثة حيث لم يصل الأخضر للتصفيات النهائية الآسيوية أصلاً فغدا كأس العالم أشبه بالحلم.. الغريب العجيب أنه مع تتالي السقطات وكثرة الهزات منذ عام 2007م ومع هذا لم نرَ أي تحرك لعودة الأخضر لسابق عهده.. بل على العكس أصبح التصنيف الشهري يفضح خيبتنا مهما حاولنا مداراتها. عموماً وأنا أشاهد الأيام الأولى للمونديال وأربط بينها وبين ما يحصل لدينا في المنافسات المحلية.. خرجت بمفارقات عجيبة ربما تميط اللثام عن بعضٍ من أسباب تدهور كرتنا.. فمثلاً: - بعدما كنّا نحضر ( شخصياً) بلاعبينا داخل الملعب في أكثر من نسخة من كأس العالم.. أصبحنا ( نشخص) بالصور.. فشاهدنا صور رئيس الاتحاد ونائبه وأمينه في المدرج وعلى الممر وفي الفندق وعلى مائدة الطعام وأثناء الخروج من اجتماع وقبل دخوله.. حتى إني خشيت أن نشاهدهم وهم في أسرتهم يستعدون للنوم. - في منافساتنا المحلية تجد مخرج المباراة بين دقيقة وأخرى يتحفنا بصورة الرئيس الفلاني وهو يفرح بهدف، وردة فعل الرئيس العلاني وهو يتحسر على ضياع فرصة.. في حين وفي افتتاح كأس العالم وبحضور العشرات من المسئولين ما بين رؤساء دول ورؤساء اتحادات قارية ورؤساء اتحادات إقليمية ومحلية وحتى رئيس اللجنة الأولمبية ومع هذا لم نرَ طوال المباراة الافتتاحية وجه أحدٍ منهم. - في منافساتنا المحلية عادي جداً أن تشاهد رئيس ناد وهو جالس بالدكة بل وربما يقوم ليعترض وحتى يناقش الحكام بين شوطي المباراة وعند نهايتها.. في حين بكأس العالم تقتصر الدكة على اللاعبين والفنيين مع الإداري المسئول فقط ويكون هنالك حزم وحسم عند أي اعتراض يصدر.. في حين يتواجد رئيس الاتحاد هناك بالمنصة الشرفية حتى يكون بمنأى عن التأثير سواءً على لاعبيه ومدربه أو حتى حكم المباراة ومساعديه. - في منافساتنا المحلية تجد قبل كل مباراة قوية تظهر مشكلة تقسيم المدرج وتسمع خلال المباراة من الكلام ما لا يبهج وتشاهد نهاية المباراة كل تصرف أعوج.. مما يضطر رجال الأمن للفصل ووضع حاجز أمني بين مشجعي الناديين المتنافسين.. في حين في كأس العالم تجد مشجع المنتخب الأول يجلس بجانب مشجع المنتخب الثاني.. الكل يتفاعل مع فريقه لكن دونما إساءة للآخر.. وفور نهاية المباراة تنتهي الحفلة بخروج كل مشجع بسلام.. وليس أعزكم الله برمى الأحذية أو العلب الفارغة كما يحدث هنا. - في منافساتنا المحلية تجد رجال الأمن ينطلقون مباشرة للحكم عند نهاية المباراة لحمايته من الاعتراضات.. وأحياناً يساعدهم الإداريون في الملعب للتفريق بين اللاعبين المتشاجرين.. في حين في كأس العالم وفي المحفل الكروي الأول الذي هو حلم لكل لاعب لا نجد بعد المباراة أياً من الاعتراضات مهما كانت أخطاء الحكام ونرفزة اللاعبين.. على العكس نجد المصافحة حاضرة وأيضاً تبادل القمصان وكأن ما حدث في الملعب تم نسيانه في الملعب. - في منافساتنا المحلية يمكن للحكم أن يرتكب بدل الخطأ المؤثر خطأين وثلاثا بل وأحياناً يصل الأمر لما يشبه الكارثة.. ثم لن تستغرب لو ذات الحكم وجدته يقود بالجولة التالية مباراة.. وحادثة مرعي الشهيرة وقيادته بعد تلك المباراة المأساوية للقاء الهلال بالشعلة في كأس ولي العهد ليست بعيدة.. وكذا حادثة الهويش ويد دلهوم وقيادته بعدها بثلاثة أيام للقاء الاتحاد في مكة.. في حين بكأس العالم وبمجرد خطأ الحكم الياباني المؤثر في لقاء الافتتاح تم مباشرة استبعاده من المونديال.. وهنا الفرق بين من ينشد التطور ومن رضي بالتقهقر. - أخيراً، في كل منافساتنا المحلية تجد الأضواء والضجيج الإعلامي وحتى الأفضلية للاعبين والفرق.. تذهب لمن يملك إعلاماً أقوى وصوته بالبرامج أعلى.. في حين في كأس العالم لا صوت يعلو على الأرقام ولا برامج فنية تتحدث عن أفضلية ما إلا من خلال معايير.. ولذا هناك يتعب اللاعب حتى يصل.. في حين لدينا لو ملكت إعلاما فربما من أول مشاركة ستوصف برونالدو. خاتمة أسمع (جعجعة) محليةً بين هذا اللاعب وذاك.. ولم أر (طحناً) عالمياً سوى هدف سعيد العويران هناك.