اطلعت على ما كتبه عضو شرف نادي الهلال -سابقا- الأستاذ يوسف بن محمد اليوسف في (الجزيرة) بالعدد رقم (15177) الصادر يوم الجمعة الموافق 18-6-1435ه, حول اهتمام نادي الهلال في بداياته التأسيسية بالنشاط الثقافي ودعم ملتقياته الأدبية والعلمية والفكرية, وتناوله بعض رجالاته الذين عملوا في تلك اللجنة الحيوية, وأسهموا في بنائها داخل مقره المتواضع آنذاك بقيادة مؤسسه العصامي الشيخ عبد الرحمن بن سعيد -رحمه الله- الذي أعطى العمل داخل البيت الأزرق بشموله (الرياضي - الثقافي- الاجتماعي) صبغة احترافية واهتماما كبيرا كان كفيلا بإثراء تلك الأنشطة والارتقاء برسالة النادي الثقافية تحديدا, وتفعيل نشاطها خدمة للمجتمع. ومن هذا المنطلق وددت تسليط الضوء بصورة أكبر على إسهامات مؤسس الهلال ابن سعيد, ودعمه لهذا النشاط الحيوي الذي منح النادي في ماضيه الجميل لقب الريادة والتميز: مناقب المؤسس * الكثير لا يعرف المناقب الثقافية التي كان يتمتع بها شيخ الرياضيين صديقي الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد يرحمه الله, وهذا الكثير يعرف فقط أن عبد الرحمن بن سعيد صاحب مدرسة كروية فحسب، وأنه مؤسس ورئيس لعدد من الأندية في المنطقتين الوسطى والغربية . ولكنيي عشت عدة سنوات قريباً من عبد الرحمن بن سعيد وعرفت بأن الرجل ليس كروياً بالمعنى الشعبي، بل هو براغماتي رياضي من النوع الفريد، وصاحب مشروع ذي أضلاع ثلاثة رياضي، ثقافي، اجتماعي. ولقد اكتشفت فيه هذه الأضلاع الثلاثة حينما صدر قرار مجلس الوزراء في عام 1380ه (1960) بنقل جهاز رعاية الشباب (الإدارة العامة للرياضة والتربية البدينة) من وزارة الداخلية إلى وزارة المعارف, وفي وزارة المعارف أراد المسئولون بطبيعتهم التعليمية والثقافية أن « يُثَقفُوا « الأندية الرياضية، ويجعلوها بثلاثة أضلاع وليس ضلعاً رياضياً واحداً ، فأصدروا أوامرهم على الأندية برفع شعار ( أندية رياضية، ثقافية ، اجتماعية ) ، وصعد هذا الشعار واعتلى كل لافتات ومطبوعات الأندية الرياضية . ولكن الغريب إن هذا الشعار ظل شعاراً فارغاً من محتواه إلاّ عند نفر قليل من رؤساء الأندية الرياضية وفي مقدمتهم عبد الرحمن بن سعيد الذي شرع عن النشاط الثقافي في نادي الهلال، واحتضن مجموعة من المثقفين منهم على سبيل المثال الزملاء الأساتذة يوسف الكويليت، وعبد الرحمن السماري، وراشد الحمدان، ويوسف اليوسف ، ومحمد رمضان والدكتور أمين ساعاتى وحينما ابتعثت إلى معهد الإدارة العامة بالعاصمة الرياض زرت الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد في قلب النادي بشارع الظهيرة، وهناك استقبلني أبو مساعد بترحاب منقطع النظير، وسألني عن سبب الوصول إلى الرياض قلت له إنني مبتعث إلى معهد الإدارة العامة لمدة عام ، وقال بسرعة وكأنه تذكر أن نادي الهلال يسره أن يضمك إلى قافلته الثقافية ، فقلت له: أنا جئت للدراسة ولا أتصور أنه سيكون لدي متسع من الوقت للانشغال بغير الدراسة، وقال بسرعة وكأنه يريد أن يحسم الموضوع: إن الإنسان المنكب على العلم يحتاج إلى ساعات للترويح، ونادي الهلال ناديك يرحب بك لتقود مسيرته الثقافية, والحقيقة إنني أحسست بالارتياح لكمية الترحيب التي أعطانيها مؤسس ورئيس النادي الكبير، ولكني لم أعطه موافقتي ريثما أوفق أوقاتي, وفي مساء اليوم التالي وجدت نفسي اتجه إلى النادي الكبير ، هكذا كنت أسميه ، ومرة أخرى استقبلني الرجل بمزيد من الترحاب ولاحظت بأنه غمز أحد موظفي النادي الذي هرول إلى السكرتارية وأحضر مظروفاً وطلب مني التوقيع بالاستلام ، وفضضت المظروف, وإذا بخطاب يكلفني رسمياً برئاسة اللجنة الثقافية . وعندئذ أحسست بأن الموضوع تجاوز مرحلة المجاملات إلى التكليف الرسمي الذي يحتاج إلى تبييض الوجه ، التفت نحو ابن سعيد وشكرته على الثقة، وسألت عن مكونات المشروع الثقافي في النادي، فقال لا تسألني عن أي شيء ابدأ من الصفر، والنادي جاهز لكل طلباتك، فقلت له خيراً إن شاء الله غداً سوف أتحاور معك حول الخطوط العريضة لبرنامج العمل، فقال مبتسماً: أنا سعيد جداً لمناقشتك في كل شيء ، ومن الآن تمت الموافقة على برنامجك . اليوم التالي قلت له برنامجنا الثقافي نستهدف منه - لأول مرة - أن يحقق مورداً مالياً للنادي وينفذ من خلال ثلاثة محاور: 1 - محاضرات يلقيها أساطين الفكر والأدب . 2 - إصدار مجلة أسبوعية عن النادي باسم مجلة الهلال . 3 - عرض الأفلام الثقافية لاستقطاب المزيد من الأسر والعائلات في النادي. قال كيف يكون النشاط الثقافي مورداً للنادي، قلت: إن رعاية الشباب أصدرت لائحة لإعانات الأندية، وهذه اللائحة تهتم بالنشاط الثقافي، وتعطي لكل نشاط إعانة، وكلما زدنا من عدد النشاطات الثقافية كلما حصلنا على أموال أكثر وأكثر، ولم يكن كلامي محض خيال، بل أقرنت القول بالفعل، وأذكر أن نادي الهلال تصدر المركز الأول في قائمة الأندية الحاصلة على أعلى الإعانات , وقدمت له قائمة بأسماء الأدباء والمفكرين الذين ننوي دعوتهم لإلقاء محاضرات في النادي، وذكرت الأساتذة الكبار محمد حسن عواد، وحمد الجاسر، وعبد الوهاب عبد الواسع، وعبد الله المسند، وعبد الله عريف، ومحمد حسين زيدان، وعبد الله بن خميس، وعبد الله بن إدريس وعبد الله نور .... ولاحظت أن وجهه تهلل بهذه الأسماء ، ثم قال هل تستطيع أن تحضر هذه الأسماء وبالذات من المنطقة الغربية ، قلت له : إن شاء الله أستطيع وتربطني بهم علاقات قوية وعميقة ووطيدة وأنا واثق بأنهم سيستجيبوا ، وبذلك يكون نادي الهلال هو أول نادي يأتي بأدباء الغربية إلى الوسطى تماماً كما كان أول نادي يقيم المباريات مع أندية الغربية . قال: إذا استطعت أن تأتي بهذه الأسماء فإن هذا يحدث لأول مرة في تاريخ الأندية . قلت: سوف نكون إن شاء الله سباقين ومن أصحاب الأوائل . وفي اليوم التالي دقت ساعة العمل، وحررت خطاباً من رئيس نادي الهلال إلى الأستاذ محمد حسن عواد، وحملت الخطاب معي وسافرت إلى جدة، وذهبت إلى صالون الأستاذ محمد حسن عواد الذي كنت أحد رواده، وأخبرته عن الدعوة وابتسم العواد ثم نظر إلي ملياً، وقال: هل أنت جاد فيما تقول ، فقلت نعم وفي جعبتي الدعوة وأدخلت يدي في جيبي وسحبت المظروف ثم قدمته إلى الأستاذ العواد، وفض الظرف وقرأه ثم قال : هل رتبتم كل شيء ، بمعنى هل رتبتم المكان والحجز على الطائرة ، قلت: في انتظار موافقتك النهائية قال: أنا موافق وسوف يكون عنوان المحاضرة عن «حيوية الشباب» . وعدت إلى الرياض ومعي موافقة العواد ، وسعد بها أبو مساعد جداً, ولكنه-رحمه الله- لم يتركني لوحدي أذهب إلى المطار وأكون في استقبال الأستاذ العواد بل أصر على أن يكون هو في استقباله معي وذهبنا معاً إلى المطار . وقدم المفكر والشاعر الإبداعي الأستاذ العواد لأول مرة إلى الرياض واستقبل استقبالاً يليق به وغص نادي الهلال في يوم المحاضرة بجماهير غفيرة يتقدمهم أساطين الفكر والأدب في العاصمة الرياض، ويومذاك استغربت حضور تلك الكوكبة من المفكرين والأدباء إلى النادي للمشاركة في حضور محاضرة العواد التي حملت عنوان « حيوية الشباب « وحققت بالطبع نجاحاً منقطع النظير، وأذكر أن المربي الفاضل الأستاذ عثمان الصالح مدير عام معهد العاصمة بعث عقب حضوره المحاضرة بخطاب إلى الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد جاء فيه : أخي العزيز الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد بعد التحية أجدني وأنا أكتب إليك تزدحم المعاني في نفسي ويقف القلم بيدي أيها أكتب، وفكري أيها يترجم ، وقد كنت سباقاً في رفع مستوى ناديك الذي ولد وترعرع على يدك بفضل الله بذلك، وكأن شيئاً في القديم والحديث لأنك وراءه، وما استضافتك أستاذاً من أساتذة الأدب وقطباً من أقطاب البيان الأستاذ حسن عواد إلاّ تفكير سليم وعميق في أن نخط طريقاً لمن يريد أن يحافظ على سمعته كناد عنيد عرف بالتفوق والجدارة منذ عرفت النوادي بهذا البلد . لقد كان وجود هذا الأستاذ ومحاضرته في أهم موضوع يدور حول الشباب وحيويته وطموحه ، نعم لقد كان وجوده في ناديك وحضور أعيان البلاد وزهرتها في الأدب والعلم يعتبر فوزاً كبيراً . إن الكسب لايعدله أي ثروة وما هذه الخطوة إلاّ دليل بعد نظرك ، وعمق تفكيرك وسداد رأيك، وما افتتاحك إسناد المسؤولية إليك في ناد بهذه الفكرة إلاّ عنوان لنجاح أفضل وفوز أكثر. عزيزي: لقد كان الناس يرون في المحاضرات التي تقام في بعض النوادي صخباً واضطراباً وسخرية وضحكاً يقف حائلاً دون حضور الكثير من المثقفين، أمّا حفلة البارحة فقد كانت شيقة تمتاز بطموح الشباب وحيويته ورجولته مع كلمة الشيوخ وعقولهم الراجحة ، وأنت في سعيك هذا عملت مقدماً، يقول الأستاذ حسن عواد في ختام محاضرته « فكر صاعد وعمل مستمر « . حياك الله ووفقك ومزيداً من هذه التوجيهات التي تهدى إلى الشباب وترشدهم إلى الطريق القويم والصراط المستقيم . هذا وبرفقه جريد الرياضة الصادرة في 24 صفر عام 1381 وذكرت في إحدى كلماتها ثناء عليك حيث قالت فيك ثناء مستطابا ونشرت ناديك في صفحتها الأولى، لك تحياتى, وكنا عند تنظيم المحاضرات نطبع الكروت ونوزعها على أساطين الفكر والرياضة في العاصمة، ومن الكروت التي أحتفظ بها كرت محاضرة الزميل الأستاذ عبد الله نور، وكانت عن الشنفرى الشاعر الصعلوكي الرياضي العربي العالمي ، ونصت الدعوة على ما يلي: الأستاذ- يسر اللجنة الثقافية بنادي الهلال الرياضي بالرياض دعوة حضرتكم لحضور المحاضرة الثقافية من موسمها الثقافي لعام 1387ه والتي سوف يلقيها الأستاذ الكبير عبد الله نور بعنوان : « نظرات رياضية في شعر الشنفرى الأديب الرياضي العالمي « وذلك في تمام الساعة الثامنة من مساء يوم الخميس الموافق 3/6/87 في مقر النادي بشارع الظهيرة ، شاكرين حضوركم وتجاوبكم الدائم معنا، وفقنا الله لتحقيق طموحات شبابنا الناهض . -نادي الهلال بالرياض وكانت محاضرة الأستاذ عبد الله نور من أنجح المحاضرات لسببين الأول إن المحاضر يلقيها أحد الرياضيين المعروفين وهو أيضاً من الأدباء المعروفين، والسبب الثاني إن المحاضرة عن أحد أبرز الشعراء الرياضيين العرب الذين أبلوا بلاءاً حسناً في الشعر وفي الرياضة ، أمّا المفاجأة هي أن عبد الله نور كان سيلقي المحاضرة المكتوبة لأنها عن لامية الشنفرى، وهذه القصيدة تحتوى على كم هائل من المفردات والكلمات الجاهلية الموغلة في القدم ، ولكن عبد الله نور بدأ محاضرته مرتجلاً، ثم انفرط يغرد لأكثر من ساعة ونصف ولم يستعن بالورق الذي أمامه، ومن شدة النشوة التي كان عليها المحاضر عبد الله نور لم ينس مفردة واحدة من اللامية ولم يتأتئ أو يتلجلج، بل ظل يصدح ويغرد ويأخذ معه الحضور في أمسية شعرية ما زالت عالقة بالذاكرة حتى الآن, وبقدر نجاح اللجنة الثقافية في محور المحاضرات لأساطين الفكر السعودي نجحنا بالتوازي في إصدار مجلة رياضية ثقافية من أقوى المجلات الرياضية الثقافية التي اكتسبت شهرة في جميع الأندية الرياضية وتردد صداها في جميع المحافل الرياضية وبالذات في الأندية المنافسة وفي أروقة رعاية الشباب ، كانت مجلة الهلال هي أول مجلة تصدرها الأندية، وكانت مثلاً يقتدى ويحتذى، حيث قام نادي النصر الذي بدأ يُرسي مشروع المنافسة (الديربي) مع الهلال في جميع المجالات الرياضية والثقافية بإصدار مجلة باسم نادي النصر ، وهكذا انتقل التنافس من ملاعب الكرة إلى ساحات الثقافة والفكر . أمّا بالنسبة لمحور الأفلام فكان الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد حريص على أن تكون ذات طابع ثقافي تنويري تربوي تعود بالفائدة على مشاهديها ، لأن الأندية في ذلك الوقت كانت تعرض أفلاماً عاطفية ورومانسية الكثير منها مبتذل ، وبدأت رعاية الشباب تلاحظ هذا الاتجاه وتحذر الأندية من عرض مثل هذه الأفلام غير الثقافية . من كل ما سبق نلاحظ بأن عبد الرحمن بن سعيد لم يكن صاحب مشروع رياضي فحسب ، بل كان صاحب مشروع ثقافي تنويري أيضاً، وكان صاحب قلم وله إطلالات في الصحف ، أي أنه كان لاعباً رياضياً، وإدارياً رياضياً، وكاتباً رياضياً، والرجل كان في كل خطواته يهتم بالثقافة بمثل اهتمامه بالرياضة، وكانت له مبادرات ثقافية فريدة من أهمها هذا الملف الثقافي الذي تضمن المحاور الثلاثة: 1 - محاضرات أساطين الفكر والبيان . 2 - المجلة الأسبوعية الرياضية الهلالية. 3 - الأفلام الثقافية التنويرية التربوية. أما المشروع الثقافي الرياضي الذي لم يرَ النور فهو مشروع كتاب الهلال الذي تناول فيه أبو مساعد تاريخ الهلال، ولقد أطلعني عليه، وقلت له يحتاج إلى إعادة نظر لأن الرقابة في وزارة الثقافة والإعلام لن تجيزه بكل هذه التفاصيل المحرجة، فلم يوافقني، وفي اتصال معه -رحمه الله- قال لي إن وزارة الثقافة والإعلام رفضت ترخيص الكتاب، وطلبت مني تعديل كثير من الشواهد والأحداث، وأنا أرى أن تغيير هذه الأحداث يشوه التاريخ فرفضت التغيير، ومازال الكتاب مخطوطاً، ومن منبر صحيفة الجزيرة أهيب بأبناء الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد أن يحضروا لي الكتاب ونقوم سوياً بإجراء التصويبات التي تمرر طبع ونشر الكتاب لأنه ثروة هلالية رياضية ذات قيمة عالية جداً, رحم الله الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد صاحب الفكر الرياضي الثقافي التنويري الرائع الذي صنع ناديا شموليا في رسالته المجتمعية. *وختاما أشكر الأستاذ يوسف اليوسف على مبادرته الثقافية في تناوله وعبر (الجزيرة) جانبا من النشاط الثقافي بنادي الهلال في الزمن الجميل.. وإسهامات رجالاته الأوفياء في دعم الحركة الثقافية وملتقياتها الأدبية والعلمية والفكرية داخل البيت الأزرق في تلك الأيام الخوالي.