إبان دراستي الجامعية في الجامعة الأمريكية بالشارقة قصّ علينا أحد دكاترة التسويق حادثة عجيبة، حيث قال: (ذات يوم دخل رجل مشرد لأحد أرقى محلات الملابس في نيويورك حاملاً على كتفه إطار سيارة مهترئاً، وعندما وصل إلى موظف المحل رمى بالإطار على الطاولة وقال: لقد اشتريت هذا الإطار من عندكم وأريد إرجاعه الآن واسترداد قيمته! فقال له الموظف بكل هدوء: وكم دفعت مقابلاً لشراء هذا الإطار؟ فأجابه المشرد: عشرون دولاراً! فما كان من الموظف إلا وأخرج المبلغ من صندوق المحل وسلّمه لذاك المشرد) اهتزت القاعة بالضحك وقلنا جميعاً بصوت واحد: ما أغبى هذا الموظف. فقال لنا الدكتور: (لو كان غبياً كما تدّعون، لما سمعتم بقصته واسم محله هنا في قلب إحدى مدن الشرق الأوسط). ما يستفاد من تلك القصة هو التأكيد على أن مقياس النجاح للتسويق ليس بطريقة عرض المنتج أو الوسيلة الإعلانية المستخدمة، بل هو بمقدار التأثير الناتج عن العملية التسويقية. ولدينا هنا في رياضتنا بدأنا في الدخول (بخجل) إلى عالم التسويق الرياضي عبر بعض وسائل التسويق كمتاجر الأندية وغيرها من وسائل دفنت لحظة ولادتها أو ظلت حبيسة لأوراق الدراسات. ما يجب على الأندية أو القائمين عليها (تسويقياً) هو استيعاب حقيقة أن منتجك الأساسي يعتمد على العاطفة والمشاعر التي تكنها الجماهير لأنديتها. فليست العبرة فقط في مستوى جودة كوب القهوة الذي يحمل شعار النادي أو ميدالية المفاتيح (والتي بالمناسبة ذات جودة أقل بكثير من المتوسطة) أو من المنتجات التي عادة تقوم بتوزيعها الشركات كهدايا دعائية، بل العبرة وكل العبرة في الرسالة المصاحبة للمنتج وما ترمز إليه ومدى ملاصقته للأحداث والتغيّرات التي تحدث في النادي. فعلى سبيل المثال، أعجبني كثيراً ما قام به القائمون على متجر النصر من طباعة قمصان تحمل عبارة (متصدر لا تكلمني) والتي لاقت رواجاً كبيراً بين مشجعي النصر لأنها وافقت قمة نضوج هذه العبارة وكثرة تداولها. وعلى النقيض تماماً يجد الزائر لمتجر الهلال قمصان كتب عليها (بطل 2010-2011)! يجب على الأندية أن تعي الدور الحقيقي للتسويق الذي يجب أن ينصب أولاً وأخيراً على طرق مواطن العاطفة والحب لدى الجماهير لناديها للحصول على مكتسبات عدة تتمثّل في زيادة رقعة محبيه وتعزيز مبدأ الولاء للنادي وشعاره ثم يأتي الربح المادي كنتيجة حتمية لكل ما يمكن عمله من نشاطات تسويقية تعتمد على مواكبة الحدث والابتكار في آنٍ واحد. وفي المقابل، نجد هناك تسويقاً عاطفياً على أعلى المستويات يقوم به شخوص له مكانتهم الإعلامية هدفه الأول والأخير تأجيج الوسط الرياضي وتثبيت العداء ما بين الأندية وجماهيرها. فالحرص الكبير على نقائص وفضائح ومصائب الآخر (المنافس) أصبح هاجساً إعلامياً يراد منه كسب معارك وقتية وتسجيل انتصارات تافهة تحت بند (التعرية أو في نص الجبهة) إما بإطلاق عبارات استنقاص تنتشر بين الجماهير العاطفية كانتشار النار في الهشيم أو بإثبات عدم شرعية أي منجز يتم التفاخر به. والخاسر الأكبر للأسف هو الجمهور الذي ضل طريق هوايته المحببة وأُرغم على دخول معترك ليس للقلوب النقية فيه أي حظ أو نصيب. قلناها وما زلنا نكررها، للرياضة أدوار أجلّ وأعظم من تحقيق فوز في لقاء أو الحصول على بطولة. فاستغلال هذا التعلق الجماهيري الكبير قادر على تحويل هذه الكيانات لمنابر وعي يتعلّم من خلالها النشء أدبيات التنافس وأصول الاختلاف وتقبل الآخر والعديد من الممارسات التي تخرج من إطار الرياضة لمساحات حياتية أرحب دون المساس بجمالية اللعبة أو طعم التنافس بين الجماهير في حدود العشق لا في ساحات الكراهية. بقايا... - حصل الهلال على بطولة دوري كأس الأمير فيصل بن فهد لفئة الأولمبي تحت أنظار جماهيره وأجهزة النادي المختلفة والفريق الأول للفريق دعماً لمن سيكونون بإذن الله دعماً ودعامة لفريقهم الأول مستقبلاً. كل هذا حصل بلا وجود للرئيس؟! - مقطع فيديو انتشر بعد اللقاء لحارس الهلال الأولمبي محمد الواكد وهو متعلّق بالسور الفاصل بين الملعب والجماهير يحاول تقبيل رؤوس كل الجماهير التي حضرت اللقاء واحداً تلو الآخر. هذا المقطع يجب أن يعرض على نجوم المال الذين أصبحوا يتأففون من كثرة المحبين والمعجبين. - في زمن الخنوع والخضوع الرياضي، انبرى خالد البلطان وحده بلا دعم أو إعلام أو جماهيرية كبيرة ليقول لكل ما لا يعجبه أو يسيئه: كفى! (أنا اشهد إن أبو الوليد يقدح من راسه). - منعطف آسيوي هلالي خطير جداً يواجه الفريق الليلة. فإما فوز يضمن الاستمرار أو خروج يكمل مسلسل الإحباط الأزرق لهذا الموسم. وإن كنت أراها - والعلم عند الله - أقرب للأولى من الثانية. خاتمة... وكل شجاعة في المرء تُغني ولا مِثلُ الشجاعة في الحكيم