في نهاية كل عام مالي، تنعقد الجمعيات العامة العادية للمساهمين لكل شركة مساهمة لمناقشة جدول الأعمال المقترح و الذي (تماشياً مع نظام الشركات) يجب أن يتضمن عدة بنود من أهمها: الموافقة على القوائم المالية و الموافقة على التقرير السنوي و الموافقة على تقرير مراجع الحسابات و إبراء ذمة إعضاء مجلس الإدارة و غيره من البنود الأخرى، و هنا اسمحوا لي أن اركز تحديداً على بند «إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة» في محاولة بسيطة لفهم مدلولاته و أسباب تكرار وجوده في كل جمعية عامة للمساهمين. بداية، يجب أن أوضح أن موضوع «إبراء ذمة إعضاء مجلس الإدارة» ليس له أي قيمة قانونية على الإطلاق سواء تم إبراء ذمتهم في جمعية عامة للمساهمين أم لم يتم و بالتالي كل عضو مجلس إدارة في أي شركة مساهمة يكون دائماً مسؤول عن تصرفاته أمام جميع المساهمين حتى لو تم إبراء ذمته استناداً للآية الكريمة «كل نفس بما كسبت رهينة»، بينما كفل النظام لأعضاء مجلس الإدارة حق الاعتراض على أي تصرفات يقرها مجلس الإدارة في محاضر الاجتماعات التي تمثل سجلات رسمية لتوثيق قرارات و توصيات مجلس الإدارة كما كفل له النظام أيضاً حق التصويت على هذه القرارات و التوصيات. هنا يجب أن نتساءل: على أي أساس تم تضمين هذا البند في نظام الشركات عند انعقاد أي جمعية عامة للمساهمين؟ وكيف التزمت الشركات المساهمة به كل عام؟ في الحقيقة، لا أحد يملك إجابات على هذه التساؤلات (بمن فيهم مسؤولي وزارة التجارة اليوم والذين نكن لهم كل احترام وتقدير) لأن هذا الموضوع يمثل تراكمات ورثناها جميعاً منذ سنوات طويلة جداً دون أي يجرؤ أحد على السؤال أو الاعتراض، وهذا يقدم لنا مثالا واقعياً لكيفية انتقال العادات جيلاً بعد جيل لتكتسب هذه العادات صفة «الشرعية» التي لا يجوز مخالفتها بأي حال من الأحوال دون أن يتساءل أحد عن أسباب وجودها في الأساس أو حتى يسعى لتغييرها. هنا تذكرت التجربة العلمية الشهيرة للقرود الثلاثة التي تم وضعهم داخل قفص في أعلاه عذق من الموز، وكيف انتقلت خبرة أول قردين حاولا الوصول إلى الموز و تعرضهما للرش بالماء البارد إلى القرد الثالث ومن ثم إلى أي قرد جديد يدخل القفص بالرغم من التبديل المستمر للقرود (بمن فيهم القرود الثلاثة) حتى أصبح لدى جميع القرود المائة الذين دخلوا القفص «قناعة تامة» بأنهم سيتعرضون للرش بالماء البارد و إن لم يحاولوا الوصول إلى الموز!! ومع كامل الاحترام و التقدير، إلا أن ما حدث في التجربة العلمية لا يختلف عن عادة إضافة بند إبراء الذمة في الجمعيات العامة للمساهمين، بل وعن كثير من العادات الخاطئة التي نمارسها في حياتنا اليومية.