«على امتداد السنوات العشر المقبلة، سيصبح الواقع الافتراضي كلّي الوجود، وميسّر التكلفة، ويسمح بتحويل مجرى الأحداث». كان ما سبق تبرير «فيسبوك» لشرائها مؤخراً شركة «أوكيلوس» مقابل ملياري دولار، وهي الشركة المنتجة لسمّاعات الواقع الافتراضي «ريفت». وفي حين تواصل «فيسبوك» عملها بجدّية على إنتاج تطبيقات جوّالة، ذهب الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ حتى التلميح إلى أن عملية الاستحواذ ستمنح شركة التواصل الاجتماعي مكانة رائدة على صعيد المنصّة الطاغية التالية، المتمثلة بالواقع الافتراضي. وبعد تلميح زوكربيرغ إلى «المنصّة» المذكورة، صدر الكثير من المقارنات المغلوطة، التي شبّهت صفقة شراء «أوكيلوس» بصفقة شراء «غوغل» لشركة «أندرويد»، التي وفّرت لمجموعة «غوغل» نظام تشغيل الهواتف الجوالة الذي تستعمله. ومع أنّ الواقع الافتراضي قد يطغى في العالم يوماً ما، لا شكّ في أنّ الإخلال بالواقع الذي سينتج عن الواقع الافتراضي بعيد كلّ البعد عن ذاك الذي نتج عن الحوسبة الجوّالة. ويتضمّن الإخلال بالواقع وصفاً لكيفية إطاحة الشركات الصغيرة والضعيفة بعمالقة القطاع – لكنّ الأمر على صلة أيضاً بتوسيع نطاق السوق وبتوفير منتجات وخدمات بأسعار أرخص وعلى نطاق أوسع. وتشرح نظرية الإخلال بالواقع سبب عدم تمكّن الشركات الحاليّة - التي تتمتع ببنى تحتية ذات تكلفة ثابتة ومرتفعة، وتُعرَف بمعتقداتها الراسخة حول ما يريده السوق – من اعتماد نماذج أعمال تسمح بخفض تكلفة خدماتها وجعل منتجاتها في متناول مجموعات جديدة من المستخدمين. وفي حين أن نظام «ريفت» قد يخلّ بالواقع ضمن قطاع الألعاب أو الترفيه، من المؤكّد أنّ نطاق تأثيره سيكون أضيق بكثير من نطاق تأثير نظام تشغيل «أندرويد»، الذي أحدث خللاً في قطاع الحوسبة الجوّالة برمّته، بعد أن جعل الهواتف الذكية أرخص ثمناً وفي متناول الناس على نطاق أكبر في كل مكان. ولا شكّ طبعاً في أنّ نجاح «أوكيلوس» المحتمل قد يسمح لشركة «فيسبوك» بامتلاك منصّة واقع افتراضي يحبّها الجميع، فتنجح في جعل تجربتَي كرة السلة على مدرجات الملعب، وصعود جبل إفرست، في متناول المستخدمين الذين ما كانوا ليتصوروا يوماً أنّهم سيستفيدون من تجارب من هذا القبيل. وبالتالي، قد تمتلك «فيسبوك» استثماراً يدرّ عليها ربحيّة هائلة. غير أن نظام «أوكيلوس» يعتمد بطبيعته على بنية تحتية حوسبية متوافرة منذ الأساس، وهو ليس نظاماً على غرار «أندرويد»، من شأنه أن يجعل استهلاك جميع أنواع المعلومات بثمن أرخص وضمن نطاق أوسع. وما المانع لتتحوّل منصّة الواقع الافتراضي إلى منصّة أكبر حجماً لاستهلاك المضمون؟ ولكن إلى أن نقرر جميعاً الاتصال بمصفوفة من هذا القبيل، لا مجال لمقارنة الإخلال بالواقع الذي يحدثه الواقع الافتراضي بذاك الناتج عن الحوسبة الجوّالة.