ليس من شك في أن الإخفاق في كثير من الأعمال والمشروعات التي يتطلب نجاحها التعاون إنما يرجع إلى أمور حقيرة تافهة، قد يضحك المرء على موقفه منها بعد حين. قرأت في بعض الكتب أنّ أحد القضاة وخلال أربعين عاماً، عرض عليه فيها ما لا يقل عن ألف قضية من قضايا الخلافات الزوجية، لاحظ أن الاهتمام بالتوافه هو سرّ أكثر تلك الخلافات. وقرأت لقاض آخر أنّ نصف القضايا الجنائية التي عرضت عليه كانت نتيجة أشياء تافهة، كمناقشة في مطعم، أو خلاف على مبلغ تافه، أو إشارة أسيء فهمها أو عبارة جافة. ولو أن هذه التوافه عولجت بحكمة ورويّة وبُعد نظر، لمرت بسلام وكأنها لم تكن. ولكن ما جبل عليه أكثر الناس من الغرور والأنانية والتسرّع يأبى إلا أن يجعل من تلك الحبة قبة، وإلا أن يحيل تلك الشرارة التافهة إلى بركان أو جحيم. ولقد قيل: (إنّ الحياة أقصر من أن يعنى المرء فيها بالتوافه). فنحن غالباً ما نسمح لأنفسنا بأن نتضايق ونثور لأسباب تافهة كان ينبغي أن ننساها ولا نعلق عليها أية أهمية. إن العمر مهما طال مداه قصير. ومع ذلك فإننا نقضي ساعات لا تعوّض في التفكير والأسى والأسف على أشياء تافهة، لا شك في أننا مع غيرنا من الناس، سننساها مع الوقت. أليس من الخير أن نكرّس أوقاتنا القصيرة لأداء أعمال جليلة، وإنتاج آثار خالدة، والتفكير بأشياء مفيدة مسلية، وخدمات لغيرنا خالصة؟ جاء في كتاب (كيف تكسب النجاح) لمؤلفه دايل كارنيجي: هناك على منحدر جبل عال في أميركا، توجد بقايا شجرة ضخمة، يقول علماء النبات إنها عاشت نحو أربعمائة عام، تعرضت فيها للصواعق والزوابع والأعاصير، فلم تتأثر بها، وقاومتها جميعاً. وحدث في السنوات الأخيرة، أن هجم على هذه الشجرة حشد من الخنافس، وراح يشق طريقه إلى قلبها، فما لبثت قليلاً حتى انهارت أمام الهجمات المتوالية لتلك الخنافس الصغيرة، التي يستطيع طفل صغير أن يسحقها تحت قدميه. ألسنا جميعاً مثل هذه الشجرة الضخمة؟ ألسنا في كثير من الأحوال نقاوم الزوابع الشديدة، والأعاصير الثائرة، ثم ندع قلوبنا (لخنافس) الهموم تأكلها وتحطمها؟ فلكي تحطم الهم قبل أن يحطمك، احرص على ألا تتضايق من التوافه وتعلق عليها أهمية كبيرة. وتذكر دائماً أن الحياة أقصر من أن يعنى المرء فيها بالتوافه.