{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإنسان إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} نحتفل بتدشين الحملة الوطنية الشاملة لتعزيز القيم الوطنية تحت عنوان (وطننا أمانة). هذه الحملة المباركة التي تبناها صاحب السمو الملكي نائب أمير منطقة الرياض، وقد حظينا بشرف الحضور بافتتاح الحملة على مستوى المنطقة في مركز الملك فهد الثقافي، وتوالت الافتتاحات في مختلف محافظات منطقة الرياض, وها نحن ندشن هذه الحملة التي نرجو من الله سبحانه أن يكلل جهودنا وجهود المشاركين فيها بالتوفيق والسداد، وأن يصل أثرها إلى كل فرد من أفراد مجتمعنا في هذه المحافظة (محافظة الأفلاج). إن الإنسان بطبيعته لا يستشعر غالباً مقدار ما عنده من نعمة وفضل وإحسان وعافية إلا إذا فقد شيئاً من ذلك يوماً ما. فلا يستشعر قيمة حياة والديه أو أحدهما وفضلهما وبركتهما عليه إلا إذا ذهبا، وكان ذهاباً بلا عودة، ولا يستشعر مقدار الصحة التي يتمتع بها إلا إذا مرض يوماً ما، وصار طريح الفراش حبيس المستشفى، ويرغب في النهوض ويود السير فلا يتمكن، ولا يشعر بمقدار الغنى إلا إذا افتقر، فيريد تأمين لقمة عيش، كسرة خبز أو شربة ماء، فلا يجد شيئاً من ذلك, ولا يشعر بمقدار جمع الكلمة إلا إذا تفرق الناس، وصار كل حزب بما لديهم فرحين, وما الأحداث المجاورة منا ببعيد. كم من النعم التي نتقلب فيها ليل نهار، ولا نحس بها ولا بقيمتها ولا بمقدارها، بل إن بعض الناس يتضجر مما هو فيه، ويتبرم من حاله، ويدعو بالويل والثبور وعظائم الثبور؛ لأنه لم يكن مثل فلان ثرياً، وهو صحيح في جسده معافى في بدنه، ولا يشكو علة، ولا تنقصه قوة، يمشي على قدميه، ويحمل بيديه، وينظر بعينيه، ويسمع بأذنيه، ويتمتع بحماس، ويعبر بطلاقة، ويأكل ويشرب، ولا يشكو علة تقعده، ولا مرضاً يسهره، غير أنه لا يملك مثل فلان، وليس عنده رصيد مثل فلان.. ولا شك أن الله إذا أنعم على إنسان بنعمة الصحة، وأفاء عليه المال، فقد أوسع له النعمة، وأجزل له العطاء، وهذا نور على نور، ولكن لله في خلقه شؤوناً، وحكمة الله في تدبيره وتقديره لا يعلمها إلا هو سبحانه، ومع ذلك فقد ينعم على عبده بالعطاء، ويجزل له في المال، ويسبغ عليه الفضل، لكنه محروم من التمتع بماله لعلة يشكوها، أو مرض يعانيه، فيود لو أن الله أزال عنه المرض وفقد كل ماله. أعيد وأكرر أن من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا في هذه البلاد هي نعمة الإسلام؛ فهي نعمة الأمن في الأوطان، والاتحاد تحت راية واحدة وإمام واحد ومنهج واحد. ولا شك أن كثيرين منا لا يشعرون بهذا أو لا يدركون عظم فضل هذه النعمة وكبير أهميتها، أو قد يتساهلون بها، ويقللون من قيمتها، وقد لا يستشعرون بها وهم يتقلبون فيها ليل نهار.. وهذه مصيبة أيها الإخوان الكرام. وقد ضرب الله مثلاً في القرآن الكريم جديراً بنا أن نتدبره طويلاً؛ إذ قال سبحانه {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}. يجب علينا نحن المواطنين أن نحذر كل الحذر من كفران النعم، وأن نشكر الله في السر والعلن على ما أفاء الله به من حكام دستورهم القرآن وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأثمر ذلك - ولله الحمد - أمناً ورغداً في العيش، كما علينا أن نحافظ على مظاهر القيم الوطنية المتمثلة في الدفاع عن الوطن، وحماية حدوده وقيمه ومقدساته، والاعتزاز بالرموز الوطنية، والالتزام بالأنظمة السائدة والتعليمات، وأن نعتز بلغتنا العربية، وأن نحافظ عليها، والمحافظة على ثروات الوطن، واحترام العمل والإبداع فيه, والتمسك بالعادات الوطنية، وأن يكون الزي الوطني محل الاهتمام, إضافة إلى المشاركة في المناسبات الوطنية المبادرة والإسهام في الأعمال الوطنية، كذلك تشجيع المنتجات الوطنية، وتفعيل دور المؤسسات التعليمية والثقافية والرياضية في بناء شخصية الإنسان السعودي، والمحافظة على الممتلكات العامة. الحديث عن القيم الوطنية يطول، لكن لعل ما ذكرته آنفاً يُعتبر نماذج، يمكن الاستنارة بها. وأحب أن أكرر أن نحذر كل الحذر ممن يريد تفريق كلمتنا وشق وحدتنا وتمزيق صفنا، ويسعى لزعزعة أمننا بنشر الشائعات وتكبير الأخطاء وتلفيق الاتهامات وتصيد العثرات.. فمن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تُعدَّ معايبه وإن بقاء الكيان واحداً، والشمل مجتمعاً، مع بعض الأخطار، أرحم ألف مرة من إصلاح الجسد بقطع الرأس، أو معالجة الأصبع بزوال اليد. أسأل المولى - عز وجل - أن يحفظ علينا أمننا وإيماننا، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين لكل خير، وأن يلبسه ثواب الصحة والعافية، وأن يمد في عمره وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذي أثلج صدورنا ترشيحه في هذا المنصب، وبهذه المناسبة نعلن مبايعتنا لسموه الكريم، داعين له بالسداد والتوفيق.