كل القرائن تشير إلى «المخطط» السري لتفتيت المنطقة وإعادة رسم خريطتها من جديد؛ ولن اضطر إلى الإشارة إلى مقالات برنارد لويس ولا إلى تصريحات كونداليزا رايس ولا إلى خطابات بوش المتعجلة التي يفلت منه فيها الكلام؛ ففي وسع أي متابع متطلع إلى الوصول إلى الحقيقة أن يصل إليها بضغطة زر على «جوجل». كنّا سابقاً قبل أن ندخل إلى عصر الإنترنت نعيش في حيص بيص من التخبط في المعلومات أو الحدس أو القراءات؛ أما الآن فلم تعد الأسرار الدولية نفسها خافية على أحد؛ لم تعد عسيرة على القارئ العادي فمن باب أولى ألا تكون خفية على أصحاب القرار في أية دولة. وتكتسب المعلومات المسربة من كل حدب وصوب عن طريق المواقع ومصادر الأخبار ومحركات البحث إقناعاً وقبولاً حين يصدق الفعلُ القولَ وتجري الأحداث على أرض الواقع مطابقة أو قريبة مما يقال، وقد لا يتمكن المدبر السياسي الدولي ومخابراته ومن يجندهم أو يستقطبهم من العملاء من تنفيذ خططه كما يتمنى ووفق البرنامج الزمني المعد، فتتأخر خطوة أو تتقدم، وقد ينحاس وينداس المخطط كله ويوشك على الفشل المطلق فيتم توقيفه ريثما يتمكن صانعو القرار في البيت الأبيض والبيوت البيضاء والسوداء الأخرى في العواصم الأوربية من إعادة صياغة خطة جديدة تتناسب وظروف المرحلة! وإذا كنت في مقالات سابقة قد أوردت ما يدلل على وجود تلك الخطط اللئيمة التي وضعت للمنطقة ونفذت على مراحل بدءاً من 1916م واستعمار الدول العربية ومروراً بوعد بلفور، ثم نكبة 1967م ثم حرب أكتوبر 1973م وموقف الغرب منها، ثم تعديل الخطة بإدخال عنصر يوهم أنه من المنطقة الإسلامية؛ فأتي بالخميني وأسقط الشاه 1979م ومشروع تصدير الثورة «الإسلامية»! ثم افتعال الحرب العراقية الإيرانية، ثم تهيئة الأجواء وإعطاء الضمانات الكاذبة كمكيدة لصدام بأنه لن يناله أذى حين يضم الكويت؛ تمهيداً للقضاء على الجيش العراقي وضم العراق لإيران وتمكينها من المنطقة كشرطي ثان مع إسرائيل؛ ليكونا القوتين الحاكمتين الرئيستين في المنطقة والدويلات العربية تقع تحت نفوذهما؛ بل هيمنتهما عليها جميعاً! هذا ما تم بالفعل، وهل يستطيع أحد أن يكذب أو يشكك فيما حدث خلال ما يقرب من قرن من الزمان من عام 1916- 2014م؟! ولكي يكتمل تصور ذلك المخطط اللئيم ويتبين دور الطرف الآخر «الإخوان المسلمون» فيه كضلع ثالث في خطة التقسيم والتفتيت والإضعاف، لئلا تقوم للعرب ولا للمسلمين قائمة؛ وقد اندفعوا أو استقطبوا لأداء هذا الدور ببراجاماتية غبية، وهنا لابد من الإشارة إلى مواقف الجماعة المؤيدة لكل خطوة تتم لإنجاح الخطة الأمريكية الغربية الإيرانية، وذلك على النحو التالي: - الاتصال الوثيق بين أمريكا وعدد من رموز الجماعة منذ وقت مبكر من تاريخ نشأتها؛ كما تدل على ذلك المصادر التاريخية. - موقف حسن البنا الإيجابي من الشيعة والتشيع؛ انطلاقاً من مفهوم «الأمة». - تهليل الجماعة وزغردتها لنجاح ثورة الخميني. - التواصل الوثيق والزيارات المشهودة التي كان تقوم بها الوفود الإخوانية من القاهرة إلى قم. - موقف الإخوان المسلمين في كل الأقطار العربية من أزمة الخليج الثانية وتأييدهم لصدام حسين ليواصل زحفه على المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى واستنكارهم اتخاذ المملكة الإجراءات التي اتخذتها لحماية أمنها، وقد كان لتأثير الخطاب الإخواني أثر كبير في تنظيم مظاهرات مؤيدة لصدام ومعارضة للمملكة في الخرطوم وحسن الترابي، وتونس وراشد الغنوشي، والجزائر وعلي بلحاج ومحفوظ بن نحناح، والقاهرة حيث أقطاب الجماعة الأم، وكذلك الأمر في الرباط ونواكشوط وفلسطين وغيرها. - تخطيط وتأييد ودعم أمريكا والغرب لوصول الإخوان إلى السلطة في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا. - دور قطر كمنطقة عمل لتنفيذ المخطط من خلال الجزيرة ودعم جماعة الإخوان وتأليب الشعوب العربية على الثورات.