هذه المدينة الجميلة التي تسترخي بوقار على جبل طويق، معلنة نهاية مشواره الطويل بغرس أنفه في الرمال.. وفق مشهد وكأن هذه الرمال ذات حياة حينما اعتلت الجبل ونثرت حبيباتها الحمراء فوق جبهته.. لينحني متسامحا مع الشقراء التي حملت اسم الزلفي. أفاقت الزلفي من السبات وتمددت سادلة أطرافها بين الرمال الجميلة، بصدر مفتوح يتنشق العليل الجميل و يستقبل الشمس المشرقة.. وكأنها عاصمة للنور والنسيم العليل القادم من رياضها العطرة.. مدينة لا تعرف التثاؤب تهب منتشية بالعمل الجميل الذي قدمته لوطنها وأمتها.. لا تتوقف عن ذلك لتتجاوز فيه لتكون حاضرة فاعلة في كل يوم ومع كل إشراقة.. من خلال أبنائها الذين حملوا ألقها فحق لهم أن يكونوا حاضرين في مقدمة الصفوف. هذه المدينة يفوح منها عبق التاريخ الجميل المضيء الذي منحها خصائص في شتى المجالات، وفي كل ما يخص الحياة من الثقافة والسياسة والأدب والفن، وكأنها حاضنة مناشط متفرقة ومختلفة،لم تنكفئ على نفسها بل امتد عطاؤها وسخاؤها لتشمل كل الامتدادات من حولها الكويت والعراق والشام شمالاً ودول الخليج شرقاً والمناطق الجنوبية من السعودية جنوباً. كان التميز عنوانا لأبنائها لتكون نجابتهم قائدا لهم نحو أعلى المراتب فكان رجل الاقتصاد الوزير عبدالله الطريقي على رأس أول وزارة للبترول في السعودية، وأحمد الناصر الشايع الشاعر الفحل الأبرز الذي لا يقارع في ميادين الشعر الشعبي، وعبد الرحمن المنصور أول من أطلق الشعر الحديث في الجزيرة العربية.. والوزير سعود العصيمي الذي قاد السياسة الخارجية لدولة الكويت خلال حقبة زمنية ليست ببعيدة وغيرهم الكثير والكثير الذين يصعب حصرهم عبر اسطر قليلة.. ليس ذلك فقط، بل إن أبناءها هم ممن أسهموا في بناء الكويت منذ مطلع القرن الماضي مثل أبناء الخرافي والراشد والعصيمي والحمد والغنام والشايع والطريقي وتقلدوا أعلى المناصب وأسهموا في حركة النماء والارتقاء لهذا البلد الشقيق. شخصيات هذه المدينة البارزة كثيرة والفاعلة منها متميزة وظاهرة، لكن ما لا يختلف عليه فيها وعنها الكرم والطيب والشهرة العطرة بأخلاق أهلها و ناسها.. وكأن شاعرها عبد الله الدويش قد أجاد كثيرا بوصف هذه المدينة المعنية بالكرم وحسن استقبال زائريها: أظن ما يحتاج ناصف لك الدار ماقف طويق حي هاك الديارا والزائر للروضة البكر «السبلة» لن ينفك من الشعور بالسعادة من فرط كونها مزهرة وغنّاء وسط المكونات الصحراوية التي تعيشها نجد.. لينعم بعبقها البكر من تلك الأرض الرائعة التي تم تصنيفها كأجمل ما عرفته منطقة نجد من الرياض المزهرة، وللرمال عشق يعطيها خصوصية، لأن في نفود الثويرات ما يجلي الكدر عن النفس المتعبة.. ولا غنى عن شموخ جبل طويق وحدائق سمنان وشلالات مرخ.. ولن ننسى إذ ننسى بحيرة (الكسر) التي قل نظيرها حينما تستقبل الأمطار لتمتد بامتداد النظر ولترسم لوحة جميلة خلابة بين الرمال والتلال كأجمل ما يكون. أهم القول: إن زيارة لهذه الجميلة الحالمة جدير بأن يرسخ معالمها في ذاكرتك، ويزيد على ذلك بأن يعمق صلتك بها، لأن العلاقة مع أبنائها سهلة يسيرة لا تحتاج إلى رسميات أو أبواب لكي تبدأ، بل هي مفتوحة باتساع السماء، فمثلما تجد الجمال في زهورها ورمالها وسنابل الورد البري وجبلها الشامخ الذي يحميها.. فستجد بشاشة الوجه وطيب المعشر وحسن الخلق.. فهي تزداد حسنا عاما عن عام من فرط برّ أبنائها بها. .. فسبحان من أعطى الزلفي هذا الجمال.. وآه يا الزلفي حتى وأنت تقابل الهلال.