للدعاء شأن عظيم فهو من أجل العبادات وأحبها إلى الله، فالداعي يُظهر فقره وحاجته لربه وخضوعه له، وأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، والأدلة الشرعية الآمرة بالدعاء أكثر من أن تذكر، غير أن الذي ينبغي التذكير به أن العبد إذا أراد أن يدعو ربه أن يقدم عليه الثناء لربه بما هو أهله، وهذا من أعظم آداب الدعاء وهو المنهج الذي جاء في القرآن، ومنهج الأنبياء عليهم السلام. ففي القرآن جاء في آيات الصيام قوله تعال: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أمرٌ بالتكبير أولاً الذي هو التعظيم لله شكراً، ثم شَرعَ بعده الدعاء فقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، وفي هذا تنبيه على أن الدعاء يكون مسبوقاً بالثناء على الله، لأن الله تعالى أمر عباده أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده، ألا ترى أن الخليل إبراهيم عليه السلام أخبر الله تعالى عنه في سورة الشعراء أنه لما أراد الدعاء قدم عليه الثناء، فقال أولاً: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} إلى قوله: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } وكل هذا ثناء منه على الله تعالى، ثم شرع بعده في الدعاء فقال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}، الآيات. أما المنهج النبوي فقد جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على قوله وفعله في ذلك، ففي صحيح البخاري (1120) قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أن ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق والنار حق، والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك «. قال ابن حجر في الفتح (3-5) (وفيه زيادة عظمة النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة ربه وعظيم قدرته ومواظبته على الذكر والدعاء والثناء على ربه والاعتراف له بحقوقه والإقرار بصدق وعده ووعيده، وفيه استحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب اقتداء به صلى الله عليه وسلم) وفي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التوسل إليه بحمده والثناء عليه وبعبوديته له، ثم سأله المغفرة. واخرج الترميذي (3475) عن عبدالله بن بريده الأسلمي عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، قال فقال: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» والحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود. وكل هذه الأدلة فيها تنبيه على أن تقديم الثناء لله تعالى على الدعاء من المهمات فمن أراد أن يشتغل بالدعاء فعليه أن يقدم لربه الثناء بذكر عظمته وجلاله وكبريائه، وهذا من أسباب إجابة الدعاء، وفقنا الله لكل خير وهدانا سواء السبيل.