من أبشع الجرائم في العصور الحديثة عندما استخدمت الولاياتالمتحدة السلاح النووي ضد اليابان في سنة 1945م. لما أُلقِيت هاتان القنبلتان على هيروشيما وناغازاكي قُتِل مئات الآلاف من المدنيين، بعضهم فوراً بسبب الحرق أو الإصابة الداخلية أو تهدم المنزل عليهم، وبعضهم ماتوا بعدها بساعات وأيام وأسابيع، ناهيك عن حالات السرطان التي قتلت الكثير بعدها بفترة أطول. ولم يكن هذا أول احتكاك للمدنيين اليابانيينبأمريكا بل قبل القنبلتين كانت أمريكا (بالتحالف مع بريطانيا أيضاً) قد حرقت المدن اليابانية بالقنابل التقليدية؛ وقُتِل وراء هذا ما يقارب المليون ياباني، وأتى السلاح النووي ليختم ملحمة المعاناة هذه شر خاتمة. بدأ هذا مع ما يسمّى «مشروع مانهاتن»، وهو الاسم الذي أُعطي للمشروع النووي الأمريكي الذي شُرِع فيه عام 1942م لصناعة القنبلة النووية، ومضى العمل بشكلٍ متسارع خاصة مع اعتقاد الأمريكان أن هتلر كان قريباً من الوصول للقنبلة، فصُرِف عليه مليارا دولار (وهو ما يعادل 26 مليار دولار بقيمة العملة عام 2014م)، وعمل عليه أكثر من 130 ألف شخص، ومضى العمل على قدمٍ وساق حتى جُرِّبَت أول قنبلة فيما يسمّى اختبار ترينيتي في صحراء خاصة بالتجارب العسكرية في ولاية نيو مكسيكوالأمريكية، وانفجرت القنبلة مُصدِرة شكلها الشهير الشبيه بفطر عش الغراب أو المشروم، وكان ذلك بداية النهاية لمئات الآلاف من الأبرياء اليابانيين بعد الاختبار بعشرين يوماً. لكن ما يجهله الكثير هو أنه لم يكن اليابانيون فقط هم الذين تضرروا من التجارب النووية بل حتى الأمريكان، ولا أقصد العسكريين الذين زاروا المناطق المضروبة مثلاً، بل أمريكان لم يخرجوا من أمريكا، ولم يكن لهم علاقة بالحرب من قريب ولا من بعيد! هذه من الحقائق المدهشة والمخيفة التي أتت في كتاب «ملفات البلوتونيوم»، وهو كتابٌ نشرت فيه الصحفية آيلين ويلسوم نتائج تجارب نووية طبقتها الحكومة الأمريكية على مواطنين أمريكان! بعد أن رأى الأمريكان الدمار الهائل الذي أصاب اليابان أرادوا معرفة المزيد عن تأثير الإشعاع النووي على الإنسان، فجربوا هذا على مواطنيهم، واختار العلماءُ الضعفاء الذين لا صوت ولا حول لهم، كالفقراء وأصحاب الأمراض المستعصية وساكني المصحات العقلية بل حتى النساء الحوامل وأجنّتهنّ، وفعل العلماء هذا عارفين تماماً أن تلك المواد قاتلة، بل وصفوها بأنها «سامة بدرجة شيطانية»! مثلاً في مدرسة أطفال في ولاية مساشوستس وضع العلماء مادة نووية مشعة في إفطار 73 من الأطفال المعاقين؛ ليروا تأثير الإشعاع النووي مباشرة على البشر. وفي مستشفى في ولاية تينيسي أعطوا 829 امرأة حاملاً مشروباً، قالوا إنه فيتامينات ومواد نافعة، وإذا به ليس إلا مشروب الحديد المشع. وفي نيويورك استلقت فتاة مصابة بمرض عقلي على سريرها ظانة أنها ستتلقى العلاج غير أن القنينة كانت تحمل الموت لها بعد أن وضع فيها العلماء إشعاعات نووية. أُزيل الستار عن هذه التجارب الشنيعة بعد 50 عاماً من إجرائها؛ ذلك أن بعض الوثائق يُسمَح برفع ستار السرية عنها بعد أن مات كل أو معظم العلماء المجرمين الذين شاركوا في هذا المشروع، وذهب العلماء لحتفهم، وبقيت آثارهم السوداء كواحدة من وصمات العار التي لطّخت تاريخ البشر بهذه التقنية الوحشية.