أكتب هذه السطور والسباق بين حبر قلمي ودمعي الذي ينهل على الورقة على أشده، كيف لا وأنا أرثي أخي وحبيبي اللواء عايض حسن العمري الذي انتقل إلى رحمة الله صباح يوم الثلاثاء الموافق 6-3-1435ه الموافق 7-1-2014م بمدينة الرياض. لقد كان في كامل صحته إلا من بعض آثار البرد الشديد الذي تعيشه مدينة الرياض هذه الأيام، حيث استيقظ لأداء صلاة الصبح مع الجماعة في المسجد المجاور لمنزله بحي صلاح الدين فقالت له أم عياله: إن البرد خارج المنزل شديد وأنت تعاني من الزكام فصلي هنا بالمنزل فأصر على أداء الصلاة في المسجد، وفعلاً ذهب إلى المسجد وأدى الصلاة مع الجماعة وعاد إلى المنزل وجلس على الكرسي بإحدى الغرف وأخذ يردد الشهادتين واستدعى حرمه وبناته قائلاً: إنه يحس بشيء من التعب وما هي إلا لحظات حتى سقط على الأرض ونقل بواسطة ابنه محمد إلى المستشفى ولكنه في حقيقة الأمر قد فارق الحياة. أورد هذه القصة لأنها خففت من آلام الفراق الذي لم يكن سهلاً أبداً، حيث أدى الصلاة بالمسجد مع الجماعة ومات بعدها بأقل من ساعة مردداً الشهادتين ومستقبلاً القبلة وبين أفراد أسرته وهذه بشرى خير له إن شاء الله تعالى. يا أبا محمد لم يكن فراقك سهلاً أبداً، بل كان أقسى على النفس من وقع الحسام المهند، ولكننا والحمد لله رضينا بقضاء الله قدره، فرحمك الله رحمة واسعة وأسكنك الجنة إنه سبحانه جواد كريم. ما الذي يمكنني أن أقوله الآن وبحر أحزاني ما زال متلاطماً وأحزاني ما زالت تحيط بي من جميع أقطار نفسي، ليس لدي ما أقوله إلا كلمة التوحيد التي غادرت هذه الدنيا الفانية وأنت ترددها ألا وهي: (لا إله إلا الله محمد رسول الله).. أما ذكريات العمر الذي قضيناه معاً والذي تقاسمنا فيه الأفراح والمسرات والآمال والآلام فالحديث عنها طويل وطويل ويحتاج إلى صفحات وصفحات ولكنني الآن أوجز شيئاً من ذلك فأقول: كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول كما قال كعب بن زهير .. أو كمال قال متمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك: أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك فقلت له: إن الشجا يبعث الشجا قد عني فهذا كله قبر مالك وقوله: وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالك لطول اجتماع لم نبت ليلة معا إن ما قاله الشعراء عن مرارة الفقد ولوعة الفراق كثيراً وكثيراً فهذا أبوالحسن التهامي في قصيدته الرثائية الشهيرة يبث لوعته وشجونه وحكمته قائلاً: حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يُرى خبراً من الأخبار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار إلى أن يقول: أبكيه ثم أقول معتذراً له وفقت حين تركت الأم دار جاورت أعدائي وجاور به شتان بين جواره وجواري ولقد صدق أبوالحسن التهامي ولكن فراق الأحبة سيظل صعباً يا أبا الحسن بالرغم من صدق قولك الذي ما زال وسيبقى يتردد على كل لسان إلى ما شاء الله لما فيه من الحكمة والموعظة والاعتبار. وإن أنسى لأنسى ساعة المسرات التي عشناها معا وتبادلنا التهاني في تلك المناسبات ومنها على سبيل المثال عندما ترقيت إلى رتبة لواء وباركت لك بقصيدة نشرتها صحيفة الرياض بعنوان: (من القلب) وذلك بتاريخ الأربعاء الموافق 6-4-1419ه ومنها: قالوا: أخوك ترقى قلت مبتهجاً الحمد لله في سري وإعلاني إلى لواء وعين الواحد الأحد ترعاك يا عايض العمري وترعاني وهنا أنا اليوم أردد مع المعري: ربّ حزن في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد كما أجدني أردد قول شوقي في رثاء حافظ إبراهيم رحمهما الله: قد كنت أوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء لكن سبقت وكل طول سلامة قدر وكل منية بقضاء رحم الله شقيقي اللواء عايض العمري وأسكنه فسيح جناته.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.