مضى سلطان بن عبدالعزيز (رحمه الله) في طريق سالك، طريق سار فيه قبله عظماء مثله، حملتهم الأيادي والكتوف، في مواكب مهيبة، تزفهم ترنيمة الحزن وتشفق عليهم القلوب الواجمة، وعند القبر ذلك الفاصل بين الدنيا والحياة الآخرة، تتعالى أصوات المودعين (أنتم السابقون ونحن اللاحقون) في صورة مهيبة لقصة النهاية والوادع المادي لهذه الحياة، في هذا المقال لن أتكلم عن مآثر وأخلاق سلطان بن عبدالعزيز فقد أوفاها غيري حقها، ولكن سأتكلم عن المودعين، عن الذين أتوا للمقبرة وهم يحملون عزيزاً كان بينهم في موقع الصدارة ثم يعودون فارغي اليد محتشي الفؤاد، ولسان حالهم قول الشاعر: وقبرت وجهك وانصرفت مودعا بأبي وأمي وجهك المقبور فالناس كلهم لفقدك واجد في كل بيت رنة وزفير عجبا لأربع أذرع في خمسة في جوفها جبل أشم كبير الحزن على الفقيد العزيز محصلة مشاعر، منها الرغبة فيه والخوف عليه، والقلق على الحال من بعده والحسرة على ما كان منه وما كان له ولم يكن، والشفقة على خسران الدنيا والمحبين، وفوق ذلك الشعور الباطني بخسارة القرب والأنس به، لا يشعر الإنسان بتلك المشاعر إلا عند موت العزيز، فقد يغيب العزيز عن الناظر والمكان ردحاً من الزمن، ولكن حقيقة الحياة توقد الآمل باللقاء، ولكن عند الموت تخبت شعلة الآمل تلك وتحضر حقيقة النهاية إلا من رجاء بلقاء أخروي تنعم به كل النفوس، يقول ابن الرومي في رثاء ولده: وأنت وإن أفردت في دار وحشةٍ فإني بدار الأنس في وحشة الفرد أود إذا ما الموت أوفد معشراً إلى عسكر الأموات أني مع الوفد عليك سلام الله مني تحية ومن كل غيث صادق البرق والرعد والعرب من أشد الشعوب فقداً وتعبيراً عن مصابهم وما ذاك إلا لشعور باطني بالانصراف لمكابدة الحياة ومجافاة التعبير عن المشاعر، وعندما يموت عزيزهم تفيض النفوس بمخزونها الهائل فتعجز القريحة عن التعبير ويستولي الحزن العميق على العقول والقلوب ولكن يخرج من تحف تعبيرية صادقة كقصيد أبي الحسن التهامي في رثاء ابنه التي منها: يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحار وهلال أيام مضى لم يُستدر بدراً ولم يمهل إلى الأسحار عجل الخسوف إليه قبل أوانه فمحاه قبل مظنة الإبدار واستُل من أترابه ولداته كالمقلة استُلت من الأشفار فكأن قلبي قبره وكأنه في طيّه سر من الأسرار إن الكواكب في علو مكانها لترى صغاراً وهي غير صغار ولد المعزى بعضه فإذا مضى بعض الفتى فالكل في الآثار أبكيه ثم أقول معتذراً له وُفّقتَ حين تركتَ الأم دار جاورتُ أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري وعزاء المكلومين بفقد العزيز هو في يقين الاعتقاد بمحبة الله لخلقه وهو أرحم بهم من ذويهم ولديه مآلهم ومستقرهم، ونحن اليوم نودع سلطان بن عبدالعزيز لا نملك إلا أن نقول:لله ما أخذ ولله ما أعطى، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.