في خضم الأحداث التي مرّت بها المملكة في الأسابيع الأولية لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة وغير النظامية، انكشف الغطاء عن كثير من الأمور التي كان المواطن يجهلها تماماً، أولها الأعداد الهائلة من المخالفين والمتخلفين والمتسترين وأصحاب الضمائر الميتة الذين لا يهمهم أبدا الصلاح والإصلاح بل يعشقون الفوضى ويعملون من خلالها. ماذا نصنع مع أصحاب الضمائر الميتة؟ سواء كان ذلك مسؤولا أو مواطنا وأعني بالمسؤول الذي أوكلت له في عمله مهمات أمنية ولم ينفذها بالشكل السليم ومنهم المرتشي والمتهاون وفاقد الضمير، وقس على ذلك الكثير.. أعتقد لو كان هنالك ضمير حي من قبل جميع المسؤولين في جميع مراكز الدولة الأمنية وغير الأمنية لما حدث مثلما رأينا وشاهدنا وسمعنا من مخالفات غير معتادة ولا مستحبة نتيجة لإهمال وتراخي وتقاعس وخيانة الضمير لعدد من الذين يعملون ويظن بهم أنهم من حماة الوطن.. فهناك عمالة كان يقبض عليها وتعود لمزاولة العمل بعد يوم أو يومين أو أسبوع وهي مخالفة وغير نظامية وهناك من يزور ويدفع الرشوة ويخرج بعد فترة من التحقيق.. هنالك من يرحل ويعود بعد شهر أو شهرين وهنالك من يخرج من بوابات الخروج ويفترض ألا يعود ولا يسجل في سجله ذلك، ويعود بعد شهر أو شهرين كيف يتم ذلك؟ يتم عن طريق الضمير الميت والخيانة العلنية للوطن وللأمانة وللضمير.. والعتب لن يكون على الدولة فهل تضع الدولة رقيبا على كل مسؤول أو كل شخص مكلف بأعمال في هذا المجال مستحيل، لكن كان يفضل أن يكون هنالك رقابة إدارية دورية صارمة على الذين يعملون في النقاط الحساسة التي لها علاقة بهكذا أمور.. فهنالك من ضعاف النفوس من تغريه المادة فيبيع ضميره للشيطان متناسيًا الأمانة الملقاة على عاتقة، سواء كان مدنياً أو عسكرياً والعسكري مصيبته أكبر وإن كانوا سواء في خيانة الضمير والأمانة والوطن. كما أن للمواطن دورا مهما للغاية في مساندة الأمن كما هي الحال بالنسبة لرجل الأمن، فالمواطن هو رجل الأمن الشامل الذي يرى ويلحظ أكثر من غيره وهو المختلط بالمخالفين يومياً وهو الذي يرى ويسمع أكثر من غيره, يفترض أن يكون سنداً وعوناً للأمن في بلده فلا يرضى أن يرى مخالفا أو مشتبها أو مشبوها أو أي شيء غريب دون أن يبلغ فوراً الجهات المعنية كما هي حال المواطنين في أوروبا وغيرها من البلدان المتحضرة، ونحن الأولى بهذه الأمور إذ إن ديننا الحنيف لم يترك أمرا مهما إلا ونبهنا عه ومنه اليقظة والانتباه وحفظ الأمانة والصدق في العمل والتعامل. اذكر حادثة بسيطة وقعت لي أنا وزميلي عندما كنا ندرس في بريطانيا وعند وصولنا لأول مرة بريطانيا وأول مرة نخرج من البلد، وفي إحدى قرى الريف الإنجليزي اشترينا سيارة، وفي ثاني يوم ذهبنا للمدرسة وكانت الأجواء ملبدة والمطر غزيرا والشوارع ضيقة كانت الساعة السادسة صباحًا احتككت بسيارة عند مروري على الشارع احتكاك بسيط بسيارة أخرى واقفة بالشارع، ولم أشاهد أحدا في الشارع أبدا ولا أعرف لمن السيارة، حيث كان الوقت مبكراً في الصباح وقلت إن أحدا لم يشاهدني وذهبت للمدرسة أنا وزميلي، وبعد يومين فوجئت بالبوليس على باب السكن لدى العائلة التي أسكن معها وأقف عند السيارة.. قالوا لي إن هنالك بلاغا عن أنني اصطدمت بسيارة واقفة بالشارع رقم كذا في يوم كذا، فذهلت كيف عرفوا ذلك، مع أنه لم يكن في الشارع حتى الطيور والحي بأكمله نائم.. إلا أنني عرفت أن العجوز التي في السكن المقابل شاهدتني فأخذت رقم السيارة وبلغت عني.. هكذا يكون دور المواطن مع الأمن، وكذلك سائقي الباصات الكبيرة كانوا يبلغون عن أي ملاحظات مرورية أثناء عبورهم للشوارع لإدارة المرور.. كذلك المواطن الأوروبي يبلغ عن أي شخص يشاهده يرمي القمامة على الشارع أو من نوافذ السيارة ويتم معاقبته ومحاسبته، أما هنا فالأغلبية من شبابنا وكبارنا هداهم الله لا يستأنسون إلا إذا فتح نافذة السيارة، وهو وسط السيارات ثم رمى بكل المخلفات التي يحملها في وجوه المارة وعابري الطريق وهذا لعمري قلة أدب معلنة وعدم تربية, ثم شاهد الذين يرتادون المتنزهات عندما يغادروها كيف تنتشر المخلفات خلفهم في جميع متنزهات المملكة، وذلك يدل على الضمير الميت وعدم وجود الوعي الحقيقي الذي نص عليه ديننا الحنيف الذي يفترض أن نكون بذلك قدوة طيبة لكل الأمم.. إن تلك المناظر تشاهد يومياً، وهذا يحز في النفس ويزيدها ألما عندما نعلم أن ذلك يكلف الدولة الكثير ويسيء إلى سمعة البلد ومواطنيه ويشوه المناطق الجميلة والمتنزهات ويبرهن على عدم وجود الوعي الوطني والبيئي والأمني.. فهل سنستمر على هذه الحال؟ يقولون إن الأجيال تغيرت وأغلب الجيل الحالي متعلم ومتنور لكن المشاهد الآن أن الجيل السابق أفضل من الحالي في الالتزام بشروط القيادة ونظافة المكان واحترام النظام, هذه الأمور كلها التي ذكرناها في جانب وهنالك جوانب خطيرة للغاية، وهي المخالفات المرورية التي لا تعد ولا تحصى، أولها السرعة المفرطة وثانيها قطع الإارة المتعمد، يشاهد ذلك في كل مدينة وفي كل قرية في المملكة، وهذه أكبر المصائب التي ما زلنا عاجزين عن التخلص منها والحوادث اليومية بالمئات والقتلى بالآلاف سنوياً من جراء حوادث السير، كل ذلك نتيجة لعدم الوعي والتهور المخيف وعدم المبالاة بأرواح الآخرين والاستهتار بالأنظمة ووجود ضمائر ميتة أعيت الأطباء والمصلحين والناقدين ولا ندري لماذا كل هذا، لذلك يجب أن نحاسب المواطن نفسه فيحترم النظام ويساعد رجال الأمن والمرور على ذلك كما يتطلب منه أن يكون يقظا فيبلغ عن أي حالة اشتباه أو مخالفات أو متخلفين أو مخالفين.. وكذلك الحال بالنسبة لرجال الأمن إذ يجب ألا يتهاونوا أبداً في تنفيذ الواجب والحفاظ على الأمانة الملقاة على عواتقهم واليقظة الدائمة والمستمرة والتبليغ على من يخون الأمانة سواء كان عسكريا أو مدنيا حتى لا تصبح الجريمة جريمتين فيتفشى الفساد الأمني وينعدم الحس الوطني لدى المواطن، هذا إذا كنا نريد أن يكون بلدنا آمناً مطمئناً في كل الأحوال.. هذه رسالة لكل غيور على دينه ووطنه بأن يقوم كل منا بواجبه حتى لا نكون في يوم من الأيام ضحية إهمالنا وتهاوننا.. نسأل الله أن يحفظ لنا أمننا وبلدنا من كل سوء وأن يهدينا جميعاً إلى طريق الرشاد.