إذا كان الله قد أراد للعرب النهوض وآتاهم كتاباً فيه ذكرهم {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (10) سورة الأنبياء (فيه ذكركم: فيه شرفكم وعزكم) وقال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (44) سورة الزخرف فقد أذن سبحانه وتعالى بتغيير كوني وانقلاب في موازين القوى عندما أنزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} (1-5) سورة العلق. إننا لم نكن قبل هذا القرآن شيئاً مذكوراً بل لقد كنا شيئاً ولكنه شيء كريه مزعج طفيلي يقتات على أطراف موائد الفرس والروم نأكل الجعلان والضباب ونقتتل على بئر ماء وندفن الجواري وهن أحياء ونشرك برب الأرض والسماء ونجيل القداح ونستقسم بالأزلام ونزور السجاع من الكهان ونعب أردأ أنواع الخمر ونفاخر بالسرقة وقطع الطريق فلم نكن سطراً في التاريخ ولا مفردة في معجم الحضارة إلى أن بزغ الفجر ولاح النور وانقشع الظلام ببعثة سيد ولد آدم. ذهب العلماء في معنى القرآن مذاهب شتى أوردها السيوطي في إتقانه والمختار منها ما نص عليه الشافعي، وهو (أن لفظ القرآن المعرف بأل ليس مهموزاً ولا مشتقاً بل وضع علماً على الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم)(1). وهو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء بالألسنة مسموع بالآذان ولا بد من استعراض تاريخ القول بخلقه وطوائف الناس في ذلك ووقف أئمة الإسلام كالحاجز المتين أمام الدعوى الفارغة والمذاهب الزائغة عن طريق الحق وعلى رأسهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وإيراد ما أفضى إليه القول بخلق القرآن من لوازم وأضاليل في المدرسة العقلانية الحديثة (التاريخانية على وجه الخصوص) إذ إن البعض يرى أن مسألة القول بخلق القرآن مسألة خاض فيها الناس ونضجت واحترقت وصارت من أوراق التاريخ فلا حاجة لبعثها جذعة ولا تداولها بالبحث والفهم وهذا ما سنرد عليه بإذن الله في حلقة خاصة بعنوان (تاريخ القول بخلق القرآن وانعكاساته على المدرسة العقلية الحديثة). النبي أمي وبعث إلى أمة أمية ولذلك كان المعتمد هو الحفظ فهي أمة أناجيلها في صدورها {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (48) سورة العنكبوت. وفي الحديث الذي رواه مسلم عن النبي فيما يَحكيه عن ربه أنَّه قَالَ: (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ، وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْماءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ). فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالْماء. قال ابن الجزري: (ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط الْمصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة).(2) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ «صلى الله عليه وسلم»: ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ؛ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي: مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ)) متفق عليه. كان «صلى الله عليه وعلى آله وسلم» لا يقرأ ولا يكتب، فاعتمد في ذلك على أصحابه وأملى عليهم خمس رسائل، إلى المقوقس حاكم مصر، وإلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى ملك اليمن، وإلى هرقل إمبراطور الرومان في القسطنطينية وإلى كسرى ملك الفرس، ثم أمر بخمسة من أصحابه فأرسلهم بالرسائل إلى هؤلاء الملوك يدعوهم في هذا الرسائل إلى ثلاث خلال؛ إما الإسلام، أو الجزية عن يد وهم صاغرون أو السيف، وهذا هو الواجب اليوم مع الاستطاعة، يقول الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} (193) سورة البقرة. أخرج البخاري عن عبدالله بن عمر أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله «صلى الله عليه و سلم»: (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم). فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبدالله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدالله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، قالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة). فاليهودي لم يكشفه إلا عبدالله بن سلام رضي الله عنه وقد كان يحاول تمرير هذا الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعرف القراءة والكتابة. ومع ذلك فالمستشرقون وتلاميذهم من الشرقيين يحاولون جاهدين لإثبات القراءة والكتابة في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما المستشرقون فلأجل الطعن في القرآن وترديد ما ردده الجاهليون من أن النبي صلى الله عليه وسلم {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6)} (1-6) الفرقان. الجاهليون قالوا اكتتبها لا كتبها فهم يعلمون من حاله صلى الله عليه وسلم أنه لا يقرأ ولا يكتب فهو يكتتب غيره ولا يكتب بنفسه، أما المستشرقون فيقولون كتبها عن الكتب السابقة فجاء الرد من الله ذباً عن كتابه ودفاعاً عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ(47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ(49) (47-49) العنكبوت. وقال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (103) النحل. أما بالنسبة لتلاميذ المستشرقين من الشرقيين فلا يريدون ثلب القرآن ولا التشكيك في صحة نسبته وإنما هو التقليد والمذهب الشكوكي والهوى والخروج عن المألوف والمتفق عليه وإثبات ما نفاه الله عن نبيه «صلى الله عليه وسلم» ظناً منهم أنهم سيثبتون له ما يعلي شأنه ويرفع قدره وفي هذا استدراك على الله، لا أظن أنهم يعونه أو يريدونه، ولكنه البحث عن العجائب والغرائب وإضافة الجديد، ولم تسلم الأمة في طول تاريخها من هؤلاء المتعالمين، فهذه مباحثهم وتلك علومهم وغاية فهومهم. ولا يخلو أهل الاستشراق من منصفين ولسنا بحاجتهم بل هم بحاجة إنصافهم يقول أحدهم وهو هنري دي كاسترى (H. de Castries) في كتابه (الإسلام: سوانح وخواطر) قال: ((إنّ محمّداً ما كان يقرأ ولا يكتب، بل كان كما وصف نفسه مراراً نبيًّا أميًّا. وهو وصف لم يعارضه فيه أحدٌ من معاصريه، ولا شكّ أنّه يستحيل على رجلٍ في الشرق أن يتلقّى العلم بحيث لا تعلمه الناس، لأنّ حياة الشرقيين كلها ظاهرة للعيان)). ويقول المستشرق ماكس مننى: (إن مرشد المسلمين هو القرآن وحده، والقرآن ليس بكتاب ديني فقط بل هو أيضاً كتاب الآداب وتجد به الحياة السياسية والاجتماعية، بل هو يرشد الإنسان إلى وظائفه اليومية، والأحكام الإسلامية التي لا توجد بالقرآن توجد في السنة، التي لا تكون واضحة لا في القرآن ولا في السنة توجد في الفقه الواسع الذي هو علم الحقوق الإسلامي). ينقل السيوطي في إتقانه (قال ابن الفضل المرسي في تفسيره جمع القرآن علوم الأولين والآخرين، بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم بها، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر به سبحانه وتعالى، ثم ورث ذلك عنه معظم سادات الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس، حتى قال لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه فنوعوا علومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه فاعتنى قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته ومعرفة مخارج حروفه وعددها وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته والتعليم عند كل عشر آيات إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة والآيات المتماثلة من غير تعرض لمعانيه ولا تدبر لما أودع فيه فسموا القراء. واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال والحروف العاملة وغيرها وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال واللازم والمتعدي ورسوم خط الكلمات وجميع ما يتعلق به حتى إن بعضهم أعرب مشكله وبعضهم أعربه كلمة كلمة. واعتنى المفسرون بألفاظه فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد ولفظا يدل على معنيين ولفظا يدل على أكثر فأجروا الأول على حكمه وأوضحوا معنى الخفي منه وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني وأعمل كل منهم فكره وقال بما اقتضاه نظره. واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية مثل قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (22) سورة الأنبياء، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده وبقائه وقدمه وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به وسموا هذا العلم بأصول الدين. وتأملت طائفة منهم معاني خطابه فرأت منها ما يقتضي العموم ومنها ما يقتضي الخصوص إلى غير ذلك فاستنبطوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز وتكلموا في التخصيص والإخبار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه والأمر والنهي والنسخ إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة واستصحاب الحال والاستقراء وسموا هذا الفن أصول الفقه. وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام فأسسوا أصوله وفرعوا فروعه وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا وسموه بعلم الفروع وبالفقه أيضا. وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة والأمم الخالية ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء وسموا ذلك بالتاريخ والقصص. وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال وتكاد تدكدك الجبال فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد والتحذير والتبشير وذكر الموت والمعاد والنشر والحشر والحساب والعقاب والجنة والنار فصولا من المواعظ وأصولا من الزواجر فسموا بذلك الخطباء والوعاظ. واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال. ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (199) سورة الأعراف. وأخذ قوم مما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول واستخرجوا منه أحكام الوصايا. ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار والشمس والقمر ومنازله والنجوم والبروج وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت. ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق والمبادئ والمقاطع والمخالص والتلوين في الخطاب والإطناب والإيجاز، وغير ذلك فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع. ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها مثل الفناء والبقاء والحضور والخوف والهيبة والأنس والوحشة والقبض والبسط، وما أشبه ذلك هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه. وقد احتوى على علوم أخرى من علوم الأوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك أما الطب فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة وذلك إنما باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله تعالى {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (67) سورة الفرقان، وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله تعالى {شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} (69) سورة النحل. وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السموات والأرض وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات. وأما الهندسة ففي قوله: {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} الآية. وأما الجدل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج والقول بالموجب والمعارضة وغير ذلك شيئاً كثيراً ومناظرة إبراهيم نمرود ومحاجته قومه أصل في ذلك عظيم. وأما الجبر والمقابلة فقد قيل إن أوائل السور فيها ذكر مدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة وتاريخ مدة أيام الدنيا وما مضى وما بقي مضروب بعضها في بعض. وأما النجامة ففي قوله {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} فقد فسره بذلك ابن عباس. وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها كالخياطة في قوله {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ}. والحدادة {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}، {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} الآية. والبناء في آيات. والنجاة {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا}. والغزل {نَقَضَتْ غَزْلَهَا}. والنسج {كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا}. والفلاحة {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } الآيات. والصيد في آيات. والغوص {كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ}، {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً}. والصياغة {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا} . والزجاجة {صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ}، {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}. والفخارة {وفَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ}. والملاحة {أَمَّا السَّفِينَةُ} الآية. والكتابة {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}. والخبز {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا}. والطبخ {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}. والغسل والقصارة {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} وهم القصارون. والجزارة {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}. والبيع والشراء في آيات. والصبغ {صِبْغَةَ اللّهِ}، {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ}. والحجارة {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}. والكيالة والوزن في آيات. والرمي {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ}، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}. وفيه من أسماء الآلات وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (38 انتهى كلام المرسي ملخصا)(3). كالبدر من حيث التفت رأيته يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا كالشمس في كبد السماء وضوءها يغشى البلاد مشارقا ومغاربا ** ** ** (1) الإتقان في علوم القرآن (2) النشر في القراءات العشر (1-6) وانظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13-400). (3) الإتقان في علوم القرآن، النوع الخامس والستون في العلوم المستنبطة.