رحل نيلسون مانديلا.. أيقونة إفريقيا.. بل أيقونة كل المحرومين والثوار.. رجل رحل عن عمر 95 عاماً مقدماً درساً عملياً لكل الجبناء الذين يتخيرون الحائط ليتكئوا عليه بعيداً عن المشاكل، نيلسون مانديلا لم يختر الحائط ليمشي بجانبه، بل اختار عن قصد وعن إصرار وتحدٍّ أن ينخرط مع الجماهير الثائرة، وظل يناضل من أجل أن ينتزع لشعبه الأفريقي الحرية والكرامة والسيادة، فضّل المكوث في المعتقل 27 عاما دون أن يقدم التنازلات، ولم يهبْ ويجبُن، ولم يخف من الموت رغم الأمراض، فعاش حتى كحَّل ناظريه برؤية وطنه مستقلاً وعمره 95 عاماً مؤكداً أن الأعمار بيد الله، ولا يستحق من يعيش جباناً ممكن أن يلقى حتفه بلدغة بعوضة. وهناك درس آخر قدمه مانديلا فقد مثل قمة التسامح والمحبة للإنسان، أياً كان ذلك الإنسان، حتى وإن كان ولوقت قريب يسومه سوء العذاب ويعذبه ويعتقله واضعاً إياه في المعتقل، فهذا الرجل المعذب ما أن خرج من السجن وآل إليه الأمر حتى تسامى على آلامه وصفح وتسامح، شهدته جنوب أفريقيا في أروع درجات السلوك الإنساني الحضاري، والذي تمثل في الصفح والتسامح عن جلادي الفترة السابقة. درسٌ ثالث تمثل في ترفعه عن السلطة والحكم، فبعد فترة حكم واحدة عزف عن كرسي الحكم ليضرب المثل لأقرانه الثوار الذين ما أن يصلوا للحكم حتى يظلوا متشبثين به حتى القبر، مانديلا كان شخصاً آخر، وإن سبقه اثنان، ويا للعجب من أفريقيا أيضاً هما :الرئيس السنغالي سنجور، والرئيس السوداني سوار الذهب. لتقدم أفريقيا المتهمة بأنها القارة الأكثر تخلفاً، تقدم ثلاثة من أفضل الرؤساء والرجال، رجل التسامح والنضال نيلسون مانديلا، ورجل الثقافة والفكر والسياسة سنجور، ورجل السماحة والتدين سوار الذهب. رحل نيلسون مانديلا إلا أن ذكراه العطرة ستظل حاضرة في عقول وأفئدة الجميع، أفارقة وبشرا من كل القارات ونحن العرب نحتفظ لهذا الرجل بذكريات طيبة وجيدة، فقد وقف إلى جانب نضال وثورة الشعب الفلسطيني، وظل يؤيد كفاح الفلسطينيين حتى آخر أيامه، وكون هناك تشابه كثير بين معاناة شعب جنوب أفريقيا والشعب الفلسطيني، فكلا الشعبين عانى من التميز العنصري ونهب الأرض والوطن والثروات، وإن استطاع الأفارقة بقيادة نيلسون مانديلا أن يحققوا الحلم وينتزعوا الاستقلال، فإن حلم الفلسطينيين لن يكون بعيداً تحقيقه هو الآخر، ولا يهم ما هم عليه الآن، وتفوق الاسرائيليين فنظام جنوب أفريقيا العنصري كان أكثر قوة وجبروتاً، إلا أن الأفارقة استطاعوا أن يحققوا الاستقلال والتحرير، وإذا كان مانديلا أيقونة الأفارقة الذين حققوا الاستقلال لوطنهم وودع الحياة بعد أن كحل عينيه برؤية بلاده وهي تنال الحرية فإن أيقونة فلسطين ياسر عرفات رحل دون أن يحقق حلمه وترك هذه المهمة أمانة لأجيال فلسطين القادمة.