أصابته وعكة صحية في زمن مضى كدرت صفو حياته ورافق تلك الوعكة خسارة مادية كبيرة فانشب الهم مخالبه في قلبه.. فهجر النوم واكتحل السهاد, فكان في هاتيك الليالي لا يُرى إلا متوجعاً باكياً أو مطرقاً منكسراً أو منطوياً حزيناً, وحدث أن باح بهمه لمن يثق بعقله وجودة رأيه؛ عل الهم ينزاح والكربة تنفرج ولا بد من شكوى لذي مرؤة يواسيك أو يسليك أو يتوجع فأعطاه المستشار الحل السحري والعلاج العجيب.. حلٌ لم يستغرق وقتاً ولم يستنزف جهداً ولم يتطلب مالاً! فقد طلب منه مستشاره أن يكتب في ورقة خمسين نعمة وهبت له.. يقول: فانطلقت أكتب ولم تنقض 10 دقائق حتى كتبت أكثر من 80 نعمة منها: (الإسلام، العقل, الصحة، الوطن, الأمن، الأسرة, الوالدين, النوم المريح، القدرة على القراءة, المنزل, البصر, الشم, الهضم, السمع, المشي, القدرة على الجلوس, القدرة على قضاء الحاجة،كلى سليمة,كبد سليمة, تنفس براحة). جرب هذا التمرين وصدقني ستشعر بمشاعر أفضل! وفي هذا الشأن يقول آخر: كنت أسير بسيارتي كسيراً مهموماً تساقطت نفسي غماً وأسفاً حتى شاهدت ملصقاً على الزجاج الخلفي لسيارة أطلق نفسي من عقال الهم قد كتب عليه: (لدي من النعم ما يمنع عني الشعور بالهم!). كم نحتاج إلى أن نعيد النظر في فهمنا للحياة وأن نحسن التأمل فيها... فتلك النعم التي نرفل بها ونتقلب في أعطافها ليست أمراً لازماً طبيعياً, فالكثير قد حرم منها... فقط تلفت حولك!.. والعلة تتمثل في أن البشر يسترخصون النعم مع التعاطي الدائم والحضور المستمر، وطول الألف كما يقول الغزالي: يتأدّى بنا إلى الاستهانة! وسر هذا عند مصطفى محمود يتمثل فى كيمياء الأعصاب.. فيقول: (إن أعصابنا مصنوعة بطريقة خاصة تحس بلحظات الانتقال ولا تحس بالاستمرار فحينما تفتح الشباك فجأة تسمع دوشة الشارع تملأ أذنيك..ثم تخف الدوشة شيئاً فشيئاً حينما يستمر صخبها فى أذنيك.. إن الدوام قاتل للشعور.. لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عن الإحساس بالمنبهات التي تدوم..نشعر بثروتنا حينما تفر من يدنا..نشعر بصحتنا حينما نخسرها... نشعر بحبنا حينما نفقده..) انتهى كلامه. أيها العزيز إن السعادة تدرك بامتلاك التفكير السليم لا امتلاك القصور والأموال والثروات، وادع هنا كل نائم قد ذهل عن عظائم النعم التي أحاطت به أن يستيقظ سريعاً شاكراً حامداً ولي نعمته سبحانه وتعالى مستمتعاً بما وهبه لك حتى لا يأتي يوم وقد فقدت شيئاً من تلك النعم وحينها ولات حين مندم!! ومضة قلم: ثمن النعم ما لا يقدر بمال!