كنت أتأمل في قول الله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } (37) سورة إبراهيم وما الحكمة من جعل الطواف على جهة اليسرى وإن كانت تعبدية، مع أنّ اليمين أفضل وأشرف، حتى وقفت على كلام نفيس ذكره أبو إسحاق الشاطبي في كتاب الإفادات والإنشاءات (ص: 105) رواه بإسناده عن أبي عبد الله محمد بن مرزوق (ت:740ه) أنه سأل أباه وهو يطوف بالبيت الحرام، لمَ كان البيت يُجعل في الطواف إلى جهة اليسار، ولم يجعل إلى جهة اليمين وهي أشرف؟ - فقال لي: سِرُّها يا بني أنّ القلب على جهة اليسار فجعل الشق اليسار الذي هو محل القلب إلى جهة البيت، ليكون أقرب موافقة لقوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } (37) سورة إبراهيم، فقلت له: إن الطبيعيين وأهل التشريح أطبقوا على أن محل القلب الحقيقي هو الوسط لا الجهة اليسرى ولا اليمنى نعم وضع رأسه مائلاً ذات اليمين قليلاً وإبرته مائلة ذات اليسار قليلاً، ثم وقفت المسألة فأنهيتها إلى الفقيه الطبيب العارف أبي عبد الله محمد بن علي الشقوري (ت:741ه)، فقال لي: ما قلت للأستاذ حق، إلا أني أقول: الحكمة في ذلك وجهان: - أحدهما: أن جهة اليمين أقوى من جهة اليسار، وذلك مشاهد، والطواف سَيرٌ دوري، ولا شك أن أبعد الجهات إلى المركز الذي هو جهة البيت أقوى حركة من الجهة التي هي أقرب إليه، فجعل الشق الأيمن الأقوى إلى الحيز الذي الحركة فيه أقوى، والشق الأيسر الأضعف إلى الحيز الذي الحركة فيه أضعف ليتعادلا. - الوجه الثاني: أن جهة اليسار من القلب هي محل الروح ومنبعه، ومنه ينبعث الشريان الأعظم المسمّى بالأبهر - والأبهر وريد يحمل الدم من جميع أوردة الجسم إلى الأذين الأيمن من القلب إذا انقطع مات صاحبه، وهناك أبهران يخرجان من القلب يتشعّب منهما سائر الشرايين - إلى جميع الجسد ولذلك نجد حركة النبض في الجهة اليسرى، والروح أشرف ما في الجسد، فجعل ذلك الشق موالياً للبيت الشريف ليكون الإقبال على بيت الله بما هو أشرف، .. انتهى. - فالقلب هو الذي يحن ويشتاق ويميل حباً في البيت الحرام وتتبعه جميع الجوارح، ومما تقدم يتبيّن لنا دقة الاستنباط من آيات القرآن الكريم الذي لا يخلق على كثرة الرد في جعل الكعبة إلى اليسار في الطواف، وهذا من نوادر الاستنباط والأفكار. - كما أنّ المتأمّل في حركة الجسم من اليسار تكون أهون وأيسر وأصح طبياً ولذلك نرى الجميع مطبق على الدوران في مضمار سباق الخيل، أنه يكون من جهة اليسار، وكذلك الرياضة البدنية حركة الجري والسباق فيها تكون من جهة اليسار.