وسقطت ورقة التوت أخيراً كاشفة عن سوأة فكر، وقصر نظر، وعجز بالغ في استقراء مستقبل يقبع في مرمى البصر.. نظرتنا العامة للرياضة بأنها مجرد وسيلة للتسلية وإشغال أوقات فراغ الشباب، انسحبت أيضاً على المنتمين للوسط الرياضي، فتجاهلوا التخطيط، وتغاضوا عن مراقبة الوضع عن كثب، فتراهم يحذون حذو ذاك اللا مبالي الذي لا يفكر سوى بقوت يومه تاركاً هموم الغد للغد. الغرق في الديون الذي يواجهه نادي الاتحاد لن يكون الحلقة الأخيرة في مسلسل إفلاس أندية الوطن.. فالعميد مثل ما كانت له أسبقية التأسيس، قدّر الله عليه وجعل له أسبقية خوض هذه الكارثة الرياضية - المالية.. ومن وجهة نظري المتواضعة فإنني أعزو ما حصل لسببين رئيسين لا ثالث لهما.. أولهما تشترك فيه جميع الأندية بلا استثناء، وثانيهما حالات متفرقة تكررت مع فرق معينة أكثر من غيرها.. والسببان هما: أولاً، عدم وجود مظلة كبرى لكيانات الأندية تنضوي تحتها إدارة النادي مثلها مثل بقية الأقسام كالفنيين والعاملين واللاعبين وإن اختلفت الأقسام تراتبياً.. هذه المظلة نستطيع تسميتها بمجلس الإدارة أو مجلس الشيوخ.. (وسأتعمد تجاهل المسمى الأول بسبب اللبس الحاصل في مهامه والأدوار التي يجب عليه القيام بها) فمجلس الشيوخ هذا هو المرجع الأعلى لكل إدارة تنفيذية، يُعيّنها بناءً على خطة عملها التفصيلية وميزانياتها الدقيقة التي تشمل شرحاً وافياً ومستفيضاً لمداخيلها ومصروفاتها.. ثم يقوم المجلس بشكل دوري بمناقشة سلامة سير تلك الخطة، بلا قرارات متهورة دافعها غالباً الرغبة في نجاح أكبر من الإدارة التنفيذية.. أو إضافة ديون لا تغطيها مداخيل النادي المعتمدة في الميزانية.. فيكون مجلس الشيوخ دوماً صوت العقل والمنطق الذي يكبح جماح طموحات الإدارة التنفيذية التي لا سقف لها.. فتبقى مصلحة الكيان هي الأهم، وليست مطامع الأشخاص الذين تنتهي علاقتهم بالنادي إما باستقالة أو إقالة.. فلا يجب على الأندية أن تقبل بأن تكون كل إدارة جديدة مغامرة مجنونة هدفها إحراز أكبر عدد من النجاحات قبل انتهاء مدة التكليف، بغض النظر عن ما تخلّفه تلك المغامرة على المدى البعيد.. فالكيان ليس سلعة تُباع وتُشترى لصاحب أعلى عرض يتحكم في مصيرها كيفما أراد، بل هو أمانة توضع أوزارها على أكتاف الأجدر والأكفأ من التنفيذيين (ولم أقل المحبين) القادرين على المحافظة على ما لديهم، وإثرائه قدر الإمكان. ثانياً، استثناءات التسجيل التي حصلت عليها (بعض الأندية) باسم المحافظة على سمعتنا الكروية خارجياً، أثبتت لنا قصر نظر المسؤول، بل وحتى عدم إلمامه بأسباب تعيينه في هذا المنصب.. فكل من مرر فترة التسجيل دون إرغام الأندية على دفع ما عليها هو شريك في المشكلة.. وكل من وافق على إعادة جدولة ديون تم جدولتها مسبقاً هو شريك في المشكلة.. وكل من قام بدفع بعض المبالغ على الأندية لأطراف خارجية نيابة عن النادي هو شريك في المشكلة. السؤال الذي يجب أن يطرح في ظل الممانعة المريبة لتطبيق الخصخصة الذي سيضمن زيادة مداخيل الأندية وتحويلها لمنشآت تجارية ربحية، هو: هل كنتم تنتظرون من أصحاب الحقوق أن يتناسوا حقوقهم؟.. أم كنتم تنتظرون موتهم لتتصدقوا على ذويهم بجزء يسير من مستحقاتهم لتظهروا بمظهر المحسنين الأوفياء تجاه الجماهير بعد أن سكت صاحب الحق عن مطالباته؟ قبل أن تحاسبوا إدارة الفايز أو الإدارات الاتحادية التي سبقتها، حاسبوا كل رئيس اتحاد لكرة القدم وكل أمين عام لاتحاد الكرة وكل رئيس لجنة احتراف وافق على هذه الاستثناءات التي أغرقت صرحاً من صروح رياضتنا، وستغرق البقية الباقية متى ما استمرت هذه الأسماء تنظر للمشهد بأعين ضيقة واستهتار واسع. بقايا... * ليس أمام إدارة الاتحاد الآن سوى بيع نجومها بالجملة، فعقود الرعاية الخيالية (إن حصلت) فهي لتغطية مصاريف النادي الباهظة المستمرة وليست لسداد الديون.. المكابرة سيدفع ثمنها الاتحاد طوال تاريخه. * يقول الأستاذ فهد المطوع الرئيس الأسبق لنادي الرائد: (يجب على لجنة الاحتراف أن (لا) تفرض النظام بقوة وبشكل قاطع، بل يجب عليها تطبيقه على مراحل)!! هذا بالضبط ما نعنيه بالنظرة القاصرة والتجرؤ على النظام والتعود على الحال المائل. * كل هذا التأخير في إقرار الخصخصة رغم التصريحات المتكررة من أعضاء لجنتها بانتهائهم من عملهم، لا يدع لنا مجالاً لتقديم حسن النية.. لكل مرحلة مستفيدون، فتّشوا عنهم. * مائة وأربعون شكوى قبل فترة التسجيل الشتوية!! من الذي ضحك علينا وقال إننا نملك دورياً للمحترفين؟! * التعذُّر بالمبالغ المتأخرة لدى الناقل الرسمي أو الراعي الرسمي أو الرابطة هو أمر مخجل بكل ما تعنيه الكلمة.. فهي وإن كانت حقوقاً للأندية لا جدال فيها، فهي لن تسد ولا حتى العُشرَ من المستحقات.. رتِّبوا أموركم من الداخل أولاً. خاتمة... وأعظمُ أعداءِ الرجالِ ثقاتها و أهونُ منْ عاديتهُ منْ تحاربُ (أبوفراس الحمداني)