يعيش كثير منا أسرى الماضي، فنجدهم لا يستطيعون التخلص منه في تفكيرهم أو سلوكهم، مع العلم بأنه من المستحيل تغيير ما حدث في الماضي. فلو أن شخصًا تمنى أنه غسل سيارته بالأمس فإنه مهما أطال التمني لن يجعل سيارته نظيفة. يمكن للإنسان أن يختار بين الاستسلام للماضي وبين التعلم منه، فالاستسلام للماضي يثير المشاعر السلبية عند تذكر أي حادثة أو تجربة غير مرضية، ولكن التعلم من الماضي يعني قبول الإنسان نفسه كما هو الآن، دون التعلق بأوهام ما حدث في الماضي من حيث كونها عوائق نفسية عن تحقيق الأهداف الحالية. عندما يسترجع الإنسان ذكريات مؤلمة فإنه يطلق العنان للمشاعر السلبية - من شعور بالذنب أو تأنيب للضمير وغيرها - بأن تسيطر عليه. وربما وجه الإنسان اللوم للناس أو الحوادث أو سوء الحظ مما قد ينتهي به إلى الشعور بالغضب أو الحقد أو الرغبة في الانتقام أو الإحباط، وجميع هذه المشاعر تجعل الإنسان غير فعال، مختلًا عاطفيًا، خائر القوى والعزيمة، لأنه يصبح مثل من يحاول الجري وهو يسحب عربة محملة بالحجارة. ما حصل في الماضي من قسوة الوالدين، أو وقوع حادث أليم، أو فقد عزيز وغيرها تجارب عانى منها معظم الناس، وخصوصًا الناجحون، ولكنهم نجحوا في التخلص من آثارها السلبية بعدم الاستسلام لها، لأنها من أكبر عوائق النجاح، وركزوا على لحظتهم الحاضرة ووجهوا القدرات والطاقات نحوها بدلًا من تضييعها في دوامة الهروب إلى الماضي. الماضي ذهب وما فيه من آلام وأحزان فهل نذهب بقية عمرنا حزناً وحسرة حاملين مشاعر سلبية أم إننا نستبدل الحزن بفرح والهم بسعادة ؟ إننا لكي ننجز ونستأنف حياة سعيدة نستطيع أن نحقق فيها طموحاتنا فعلينا أن نتخلص من سلبيات الماضي ونقذف آثاره السيئة خارج حياتنا، فالعمر قصير ومن المؤسف - حقاً - أن نجعله ينحصر في مآسي الماضي وإخفاقاته. لنعش لحظاتنا - وكأننا ولدنا الساعة - كلها تفاؤل وأمل بأن نبني مستقبلاً مشرقاً مليئا بالنجاحات والإنجازات، فالنجاح لا يمكن أن نحصره في شكل معين بل هو متعدد الوجوه والأشكال فكل خير تفعله في حياتك هو إنجاز رائع يستحق أن تفتخر وتشيد به. لا تجعل الماضي يأسرك، ولا المستقبل يقلقلك ويخوفك واستمتع بلحظات حياتك التي تعيشها الآن فأنت ابن اللحظة. لا تدع اليأس ينفذ إلى قلبك فنحن أحيانا نصنع معاناتنا بأيدينا وندمر أنفسنا بجهالتنا وضعف إيماننا. ولنطو صفحة الماضي فالعيش فيه - كثيراً - لا يجدي شيئا، فما كان فيه من آثام نستغفر الله منها، وما كان فيه من خير فنرجو أن يتقبل الله ذلك الخير ولنعش لحظتنا فإننا لا ندري قد لا ندرك الساعة التي بعدها.