لَيسَ الجَمَال بِمِئزَر فاعلم وإن رُدِيت برداً إنَ الجَمَالَ معَادِن ومنَاقِب أُورِثْنَ حَمْدَاً تذكرت هذين البيتين وأنا أتلقى خبر رحيل الوجيه سليمان أبانمي.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. فقد شرفت ومن خلال مرافقتي للوالد عثمان الصالح - طيب الله ثراه - بالاقتراب من أبو محمد.. لسنوات، نَمتْ خلالها صداقة صدوقة ارتقت مع مرور المواقف إلى احتلاله مكانة خاصة في قلبي وعقلي، لمست عن قرب كم هو الرجل عزيز النفس، لطيف المعشر، عف اللسان، في كلامه حِكمة وفي صمته معنى، يُسيس الأمور بحنكة، علم أن الإيثار والأخوة الحقة لا تُنَالان بالأماني بل بالتضحية وإيثار الآخرين على الذات، رجلٌ مهموم بوطنه مهما ابتعد عنه.. يعيشه في كل لحظات حياته رحمك الله كم تعلمت وتعلم الآخرون منك. إن ما لمسته من إجماع على افتقاد الراحل الكريم يعكس رغم اختلاط المعايير وظهور عورات أصابت القيم والثوابت والمفاهيم السائدة، إلا أنه في النهاية «لن يصح إلا الصحيح» وأن رصيد الانسان من جهده وعمله وفكره وقيمه هو ثروته الحقيقية التي ستجد دوماً من يُثمنها ويُقدرها. والشيخ سليمان - يرحمه الله - رجل جُبِل على العمل بصمت، ورغم إدارته لكيان مُعقد من الاستثمارات بنجاح باهر، إلا أن بساطته وهدوءه وهيبته كانا مبعث دهشة وإعجاب من كل من عرفه، الأمر الذي أراه جديرا بأن يطّلع عليه ويستفيد منه شباب رجال الأعمال في هذا الزمان. إننا أمام نموذج وقدوة تحتذى في الجلد والصبر والكفاح، فالرجل الذي بدأ حياته العملية عاملاً يروي النخل وحقول القمح، ويراقب والدته وهي تُشارك بجهد متواصل في صناعة الأواني والمفروشات من سعف النخيل ظل يضع نفسه في مركز الدأب على الإنتاج المنّوع، وكأنه يرى مستقبله بين يديه منتجاً إنتاجاً متنوعاً يُرضي قفزه إلى الأعلى على قمم الطموح. وإذا كانت مدرسة الأم بالنسبة لفقيدنا - يرحمه الله - بالغة الأثر في تكوين شخصيته وتحديد درجة الإصرار لديه، فقد قابل - يرحمه الله - ذلك بوفاء مستحق في فترة مرضها، حيث عايشنا كم كان لصيقاً لها، متفرغاً للعناية بها، حريصاً على برها. أما على صعيد نبوغه في مجال عمله، فقد كان رجُلنا صاحب تجربة متفردة، ونهج خاص تمثل في أنه صاحب أعمال اتسمت بقدر من المغامرات التي ركب فيها موجات صنعها خياله الإبداعي ورغبته في تحقيق السبق كما رأينا في معظم مشاريعه الصناعية والاستثمارية، هذا إلى جانب إدراكه أن مجال الأعمال والتجارة لا يمكن تصوره من غير خسارة تتجاوز في بعض الأحيان حدود احتياطاتنا وحدود مثابرتنا وتصبح أمراً واقعاً لابد من قبوله. ومن بين ما لفت انتباهي في سلوك رجلنا ويَنْدُر أن تجده عند أمثاله من رجال الأعمال الذين يديرون كياناً استثمارياً وتجارياً بحجم الكيان الذي كان يديره، ذلك الجو الودّي الذي يُضفيه على زائريه من غير أن ينشغل عنهم مجيباً هاتف عمل أو منهمكاً في قراءة معاملات، فقد كان- يرحمه الله- سيد قراره يأخذه بمبادرة شخصية، فهو غير معني بضغوط الآخرين وتدخلاتهم، مما كان يجعله يجلس في أي مكان في مكتبه إلا كرسي طاولته.. وهو مُقبل على ضيوفه في ودّ وهدوء.. من النادر أن تجده في تَجَهُم « فقد كان يعيش في سلام مع نفسه « أيه.. يا أبو محمد.. في غيابك عناء، عِبر وحِكم تعلمنا كيف تتجلى قيمة الصبر حينما تدلهم الخطوب، ويغيب الرموز. كل العزاء لزوجته الحنونة الجليلة أم محمد وإخوانه الكرام وأبنائه النُبلاء محمد ووليد وزيد، وبناته الكريمات خُلقاً وتربيةً. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.