محمد بن صالح بن سليمان الخزيم إني أعزي نفسي وإخواني بمصابنا الجلل برحيل العالم والفقيه شيخنا الفاضل عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ف{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. عالم أفنى عمره بتبليغ الرسالة راجياً ثواب ربه وجزيل فضله، لا متكففاً نوال غيره، لا يخالجه كلل ولا ملل، ولم تصرفه بهارج الحياة الدنيا حينما انغمس فيها الآخرون. قال محمد بن كعب (إذا أراد الله بعبد خيراً زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره بعيوبه ومن أوتيهن أوتي خير الدنيا والآخرة). بذل جهده في شتى الميادين محاضرات، ودروس، وندوات، وكلمات إيمانية، إذ جُلّ وقته دعوة إلى الطريق المستقيم وناتجه انتشر أثره العلمي وذاع صيته الإيماني فلا تكاد تجد بيتاً إلا واستفاد من علمه ونهل من فضله بوساطة كتاب من كتبه أو شريط حوى صوته وعلمه، أو مطوية تخضبت بخلاصة فكره. ومع فقده فقد غاب بدنه غير أن أثره باقٍ وفضله راسخ وعلمه حي شامخ لذا قال الإمام مالك (ما كان لله يبقى) يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم=والجهل يلحق أمواتاً بأموات وقيل: ففز بعلم تعش حياً به أبداً=الناس موتى وأهل العلم أحياء نال علمه من مصادره دارساً له على مشايخه فاجتمع عنده كثير من الفنون فقه وعقيدة وحديث وسائر العلوم. إذا تحدث ظننته لا يحسن غير فنه فإذا تناول فناً آخر عرفت أنه حبر زمانه ولا غرابة فيمن استقى العلم من منابعه وغاص في بحاره حيث من مشايخه العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ والعلامة محمد الشنقيطي. تعلم ما الرزية فقد مال=ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر=يموت بموته بشر كثير كم أنار الله به قلباً، وشرح به صدراً، وأزال به هماً وغماً قارع في كثير من فتاويه أهل الهوى، وصد عن الإسلام بدعاً شتى جاهد أعداء الإسلام بلسانه وسنانه، وانبرى لكل صاحب شهوة وشبهة فأظهر الله الحق على لسانه وقمع زبانية الباطل بسنانه قال صلى الله عليه وسلم لحسان (أهجهم أو هاجهم وجبريل معك) البخاري. فمن كان الله معه لن يخيب أمله لأن معه من الله ظهيراً وناصراً ومعيناً (ومن يتوكل على الله فهو حسبه). ألقى الله له في الأرض القبول، والمحبة في النفوس انها سمة العلماء الربانيين والأئمة المهديين وإنها عاجل بشرى المؤمن، ففي الحديث (يا رسول الله أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده أو يحبه الناس عليه؟ قال تلك عاجل بشرى المؤمن) رواه مسلم. كلامه رحمه الله مسموع وقوله نافذ في القلوب انها من علامات صدق الرسالة والإخلاص في أداء الأمانة. قال عمر لأبيه ذر (مالك يا ابتي إذا حدثت الناس بكوا وإذا حدثهم غيرك لم يبكوا قال النائحة المستأجرة ليست كالثكلى) فمن تكلم من القلب نفذ إلى القلب ومن تكلم من اللسان لم يجاوز الآذان. وهذا يؤيد القول إن العلم ليس بكثرة الرواية وإنما بالخشية (إنما يخشى الله من عباده العلماء). وبعد أن مضت سنوات عمره مع أفضل مرغوب ومكتسب تعلماً وتعليماً (من يرد الله به خيراً ينفعه في الدين). أصابه مرض عضال تمحيصاً وتطهيراً من الأدران في الحديث (أشد الناس بلا الأنبياء ثم الأفضل فالأفضل، يبتلى الرجل على حسب دينه.. فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) البخاري و(إذا أحب الله قوماً ابتلاهم) صحيح. وفي يوم الإثنين 20-7-1430ه انتقل إلى رحمة الله تعالى عن الدنيا بعد أن ملأها علماً وفضلاً وتربيةً وهدياً. كم مات قوم وما ماتت مكارمهم=وعاش قوم وهم في الناس أموات فهاهم طلابه تبوءوا عالي المنازل، وسدوا مكان شيخنا الراحل إنها طريقة العلماء الأفاضل ورثة الأنبياء أنه لم يرد بعلمه ديناراً ولا درهماً. قال الإمام أحمد لمن ضل السبيل (موعدكم يوم الجنائز) يوم التشييع ينكشف الحق وتعج الأرض ببكاء المترحمين محبة ومودة لمن خدم الدين وقام برسالة الموحدين. وشيخنا رحمه الله رحمة واسعة شيع جنازته أعداد كبيرة فيهم الأكابر والأصاغر تهافتوا للصلاة عليه من كل الفجاج يتسابقون على حمل جنازته، ويبتهلون إلى ربهم بالدعاء له وتلهج ألسنتهم بالثناء عليه وسؤال المغفرة له. وبتشييعه نكون قد فقدنا بدراً كنا أحوج ما نكون إلى نوره في وقت تغيرت فيه المفاهيم، وتجاذبت المجتمعات كثيراً من الأفكار فادلهمت الخطوب. وما نملك أمام مصابنا وانتقال شيخنا إلا أن ندعو (اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها) من قاله في مصيبته آجره الله وأخلف عليه خيراً من مصابه. جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم=بعد الممات جمال الكتب والسير اللهم جازه عن الإسلام وأمة الإسلام كل خير واغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأسكنه فسيح جنتك وارفع درجته يا سميع يا مجيب آمين. مدير المعهد العلمي في محافظة البكيرية (الجزيرة 5 شعبان 1430ه الموافق 27 / 7 / 2009م)