في أبريل الماضي، وجد رئيسٌ تنفيذيٌّ خليجيٌّ نفسه في موقف عصيب لم يمر على أحد من قبله. فقد كان يسمع عبارات التهديد مرارًا وتكرارًا من صناديق التحوط الغربية. كانوا يقولون له: «ادفعوا لنا كامل القيمة الاسمية أو سندفعكم للإفلاس رغمًا عنكم». كانت هذه العبارات التي اعتاد مصرف أركبيتا الإسلامي على سماعها من صناديق التحوط الأربعة قبل أن يتفاجئوا بطلب الطرف الخليجي بالحماية من الدائنين. لقد كان بالفعل حينها «رجل اللحظة الصعبة» في الخليج. ومن دون شكٍّ فلن يمر اسم «عاطف عبدالملك» مرور الكرام على صناعتنا الإسلاميَّة. فالمصرفي البحريني الشهير سيذكره تاريخ منطقتنا العربيَّة بالرجل الذي طلب حماية القضاء الأمريكي من صناديق التحوط. ليسهم بجرأته في المحافظة على أموال المساهمين. فعاطف كان في موقف عصيب لا يحسد عليه. ففي مواقف مثل هذه تتدخل الحكومات لإنقاذ المصارف التي تملك فيها حصصًا. فالمصرفي الإسلامي المحنك لم يستطع أن يَرَى البنك الذي كان من مؤسسيه قبل 10 سنوات بين يدي الدائنين. وعاش عبدالملك حينها وكذلك صناعة الصيرفة الخليجيَّة حدثًا استثنائيًّا بعد لجوء بنكه الإسلامي، ولأول مرة في تاريخ القطاع المصرفي العربي، بطلب الحماية من الإفلاس وذلك عبر المحاكم الأمريكية. وانهارت محادثات إعادة هيكلة دين إسلامي بقيمة 1.1 مليار دولار عندما قامت صناديق التحوط بشراء هذه الديون من السوق الثانوية. وتمت عملية الشراء تلك بخصم. وقال أحد المحامين (مايكل روزينثال) الذي يمثِّل صندوق «يوروفيل ساريل»: إن الصناديق تلك هدَّدوا أركبيتا بجرها للإفلاس إذا لم يستلموا أموالهم بالقيمة الاسمية» (أي كاملة من دون خصم). وبعد هذا التهديد بيومين، تقدَّمت أركبيتا بطلب الحماية من الدائنين وكذلك المحافظة على سلامة أصولها من أيدي الدائنين. وتشير وثائق المحكمة إلى أن صندوق التحوط الأمريكي (دايفيدسون كيمبنر) يطالب البنك الإسلامي ب50 مليون دولار. في حين يطالب صندوق التحوط الثالث (فورتيلوس) ب88.8 مليون دولار. أما أخطر هذه الصناديق فهو صندوق «في آر جلوبال» الذي يُعدُّ من أفضل الصناديق البريطانية أداء في العالم ويَتمُّ إدارته من إحدى الشركات بروسيا. ويطالب هذا الصندوق أركبيتا ب75 مليون دولار. فالاستسلام لصناديق التحوط يعني تسييل أصول الشركة بثمن زهيد وتسجيل خسائر مؤكَّدة للمساهمين. وتجلت حنكة عبدالملك، بعد التفاوض مع الدائنين لمدة 6 أشهر، بأن تَمَّ الدفع لهم ما يصل إلى 64 في المئة من أموالهم بدلاً من القيمة الاسمية الكاملة. ثقافة الإخفاء وتمتاز المنطقة الخليجيَّة بثقافتها، التي تشجع مناقشة قضايا تعثر الديون بشكل خفي. فمن النادر أن تسمع بمثل هذه القضايا وهي تناقش بين العامة. وبخلاف الإمارات، فإنَّ دولة البحرين لا تملك الموارد الماليَّة الضخمة من أجل تنفيذ خطة إنقاذ للمؤسسات الماليَّة التي تواجه صعوبات في تدفقاتها النقديَّة. ففي السنة الماضية قامت أبوظبي بإنقاذ شركة الدار العقارية، التي تملك فيها الحكومة 49 في المئة، ويُعدُّ مصرف أركبيتا الإسلامي من بين الشركات البحرينية التي تقدمت بطلب إعادة هيكلة التزاماتها بعد أن قطعت أزمة الانقباض الائتماني الطريق عليهم للنفاذ إلى أسواق الدين العالميَّة، حيث تقدم بنك «أوال» بطلب الحماية من الدائنين في 2010. يذكر أن بنك أركبيتا قد قام بتغيير اسمه (البنك الاستثماري الأول) بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وذلك نظرًا لتمركز معظم أنشطته في الولاياتالمتحدة. أصول ذهبية وكان مساهمو أركبيتا، الذين ينحدرون من عوائل خليجية ثرية، يخشون أن يفقدوا أصول مصرفهم لصالح الدائنين. وهذا ما ظهر جليًّا في البيان الصحفي الذي تَمَّ توزيعه على وسائل الإعلام الذي ذكر فيه مجلس إدارة أركبيتا أن الهدف من تلك الخطوة يأتي «لحماية أصول البنك» أثناء عملية إعادة الهيكلة. وقال في حينها سيرجي ليوتي، متعامل في الديون المتعثرة لدى بنك سيتي جروب بلندن: «ستساعد (المحكمة) الشركة في التَّوصُّل إلى اتفاقية جماعية مع الدائنين بدلاً من القلق من بعض الدائنين». وأشارت إلى أنها ستبيع أصولها في الوقت الذي يتواءم مع الدورة الاستثمارية. وتشمل أصول الشركة علامات تجاريَّة لامعة في الولاياتالمتحدة مثل «كاريبو كوفي» و»تشورش تشيكن» وشركة الطاقة الايرلندية «فيريديان» وشركة تخزين الغاز «فالكون». وتملك حصصًا في شركات أمريكيَّة مثل «بي أو دي إس» و»تينسار». وتأسس بنك أركبيتا في 1996 وهو متخصص في أسهم الشركات الخاصَّة وكذلك إدارة الأصول الإسلاميَّة. اليد الطولى ومن المتعارف عليه أنّه عندما تدخل مرحلة الحماية من الإفلاس فإنَّ الدائنين تكون لهم يد طولى على مؤسستك المالية. ففي تلك الفترة، لم يتمكن موظفو بنك أركبيتا الإسلامي من الحصول على قروض من دون فوائد أو حتَّى دفع الرسوم الدراسية الخاصَّة بهم وأبنائهم. وساهمت صدمة «الحماية من الدائنين» التي تقدم بها أركبيتا في تسليط الأضواء على المتانة الماليَّة للقطاع المصرفي الإسلامي، ولا سيما تلك المصارف الاستثمارية التي تنتهج أسلوب «شركات الأسهم الخاصَّة» (Private Equity) كمبدأ أساسي لصلب أعمالها. وساهم أسلوب «شركات الأسهم الخاصَّة»، الذي تتبعه أركبيتا، في قصم ظهر بيت التمويل الخليجي قبل نحو سنتين. فهذه الإستراتيجية ساهمت في سقوط بيت التمويل الخليجي من ذروة مجده عندما مسحت خسائر 2009 أرباح أربع سنوات الماضية. يقول أحد مديري الأصول لصحيفة يوروويك البريطانية: «معظم هذه البنوك (الاستثمارية) ما هي إلا شركات تطوير عقارية وهي متخفية على شكل بنوك». ويشير منتقدو أركبيتا إلى الاختلافات في أسلوب العمل المصرفي المتعلّق ب»شركات الأسهم الخاصَّة» مقارنة مع الشركات الأمريكية العملاقة مثل «كارليل» و»تي بي جي». فهذه الشركات تأخذ أرباحها بنهاية الفترة الزمنية للاستثمار مقارنة مع بعض المصارف الخليجيَّة التي تأخذ أرباحها في بداية العملية الاستثمارية. ويعطي التقرير الموسع لصحيفة «يوروويك» كيف أن أركبيتا لا تزال متمسكة باستثماراتها المتعلقه ب»شركات الأسهم الخاصَّة» وذلك على الرغم من انخفاض قيمتها السوقية التي لا تسمح لها بالتخارج منها. ففي 2008 على سبيل المثال قامت أركبيتا بتخصيص صفحتين (ببياناتها المالية) لصفقات بمحفظتها تصل قيمتها إلى أكثر من 20 مليار دولار. إلا أنها تخارجت من 15 في المئة من قيمة هذه المحفظة. وفي تلك السنة، تخارجت من صفقة واحدة، وصلت قيمتها إلى 178.2 مليون دولار. ومقارنة مع المصارف الاستثمارية الإسلاميَّة التي تتشارك مع أركبيتا في أسلوب عملها، فإنَّ المراقبين يرون بأن تلك المصارف قد سجَّلت مخصصات ضخمة في السنوات الماضية. مما يعطي الإيحاء بأن محفظة أركبيتا، بحسب صحيفة المال البريطانية، مبالغ في قيمتها، خصوصًا أن حجم مخصصاتها لم يكن مشابهًا لنظرائها بالقطاع. ويجادل بعض المنتقدين بأن الإستراتيجية الحديثه لأركبيتا قد ساهمت في مشكلتها الحالية. يقول أحد المتخصصين بالماليَّة الإسلاميَّة: «لقد كانت الفرصة عظيمة لأركبيتا بالسنة الماضية. حيث توفر لهم بعض «السيولة النقديَّة» التي كان من الممكن توجيهها نحو سداد ديونها». وبدلاً من ذلك قاموا باستثمارها في مشروعات جديدة لقد كان ذلك خطأً جسيمًا. فلو لم يفعلوا ذلك لما كنّا نناقش طريقة عملهم».