ينتظر التونسيون أن تثمر جهود التقارب بين الفرقاء السياسيين فتلد حلا توافقيا يخرج البلاد من عنق الزجاجة ويدفع بالسيناريوهات الخطيرة بعيدا عن الأراضي التونسية التي يتهددها الإرهاب ويمتص رحيقها التهريب فيما رجال السياسة غارقون في حساباتهم الانتخابية والحزبية الضيقة. وينبع أمل التونسيين في قدرة السياسيين في التوصل إلى حل للأزمة من تمكن الشعب التونسي من طرد الدكتاتورية وتدشين ربيع عربي أتى بعكس ما يشتهون بعد حوالي ثلاث سنوات من الحرية والانعتاق التي خلفت جدلا وارتباكا على مستوى القيادة زاد البلاد أزمة على أزمة. فقد عادت قيادات الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار الفاشل الذي رعته المنظمات الوطنية الأربع (اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف وعمادة المحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان) إلى قواعدها وفتحا معها أبواب حوار داخلي لتحديد مواقف جديدة في شكل مبادرات تصحيحية أو تعديلية لمبادرة اتحاد الشغل التي قبلتها النهضة الحاكمة أصلا ورفضتها مضمونا، فيما رحبت بها المعارضة وكأنما قدت على مقاسها. وتنشط الجبهة الشعبية ومن وراءها جبهة الإنقاذ المعارضة من أجل تعميم ظاهرة الاعتصامات التي مدتها لتغطي الجهات الداخلية بهدف الإطاحة بالحكومة ومن وراءها إقصاء المحافظين والمسؤولين الذين عينتهم النهضة على رأس المؤسسات الوطنية في مسعى للاستحواذ على مفاصل الدولة حسب ما تؤكده الجبهة حرصا على كسب الانتخابات المقبلة. وسادت أجواء تحليل معنى الفشل في الحوار وفي إيجاد أرضية توافق بين الفرقاء السياسيين بقلم الأطراف الراعية للحوار، وهي في حقيقة الأمر طرف واحد ألا وهو اتحاد الشغل بترسانته الجماهيرية المخيفة. وانبرت الترويكا الحاكمة ترد على أحزابها وقياداتها تهم تعطيل الحوار وسد الأفق أمام محاولات جبهة الإنقاذ...إنقاذ البلاد والعباد... وبدا للتونسيين اليوم أن مسؤولية فشل ماراثون المشاورات لا تتحمله الترويكا والمعارضة بسبب عدم توافقهما أصلا، إنما يتحمل اتحاد الشغل وبدرجة أقل الثلاث منظمات الراعية للحوار معه، جزءا كبيرا من المسؤولية، لا بالنظر إلى انحياز الوسطاء إلى طرف سياسي على حساب آخر، بل لاكتفائهم برفع الشعارات وتكثيف التصريحات الحاملة لكم هائل من التهديدات الموجهة إلى الترويكا الحاكمة. يرى مراقبون أن انطلاق جولة جديدة من الحوار بين الفرقاء السياسيين سيعرف ذات النتيجة وبالتالي سيكون مالها الفشل الذي ستكون نتائجه جد وخيمة على الشعب التونسي المطالب دوما بدفع فواتير القرارات السياسية الخاطئة، وهو اليوم يتجرع كاس المرارة لذنب اقترفه الفرقاء السياسيون من ذوي النظر القصير. والثابت ان الأرضية الرخوة التي اعتمد عليها الحوار بين الفرقاء كانت سببا إضافيا في توفير جو من التشكيك في النوايا بما يعني أن اتحاد الشغل بوصفه الراعي الفعلي للحوار، لم يكن يوما راضيا عن حكومة الترويكا التي سخر كل طاقاته لمحاربتها، فيما كان في الحقيقة يحارب البلاد ويرفض البناء، وهو بالتالي ليس الأقدر ولا الأكفأ على قيادة حوار بهذه الدرجة من الخطورة. ولا يخفي شق كبير من التونسيين توقعه لفشل الحوار على أساس عدم حيادية اتحاد الشغل وتسببه المباشر في تدهور الاقتصاد منذ الثورة، عبر تغذية نزعة المطلبية لدى العمال وشن الإضرابات الخانقة والعشوائية لقطاعات حيوية في البلاد ورفض قيادييه تأجيل جولة المفاوضات بخصوص الترفيع في الأجور. ويعتقد أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد بأن الخاسر الأكبر من فشل الحوار هم التونسيون الذين سيدفعون الثمن باهظا ويضيف بأن كلا الأطراف بلا استثناء تتحمل مسؤولية الفشل لأن بينها صراع إما من أجل البقاء في السلطة وإما من أجل الوصول إليها. إلا أن عددا من الخبراء السياسيين يأملون في تحرك «الأغلبية الصامتة» وخروجها من سباتها الذي دخلته قسرا أو طواعية مند انتخابات أكتوبر 2011 بعد أن رجحت كفة حركة النهضة التي راهنت عليها فاستجابت لها ومنحتها الاف الأصوات ففازت. اليوم تتراءى بين الفينة والأخرى تحركات بسيطة لهذه الأغلبية الصامتة التي يعول عليها عامة التونسيين من غير المتحزبين لا في قلب الموازين فحسب بل في قلب طاولة الحوار...حوار الطرشان الذي لم يقدم حلال جذريا وعاجلا لأزمة متفاقمة يوما بعد آخر. فلئن كانت المساعي المحمومة لأكبر حزبين في تونس، النهضة ونداء تونس، غايتها استقطاب الأغلبية الصامتة، فإن هذه الأغلبية على قناعة اليوم وكذا جمهور كبير من المحللين، على أنها الأقدر على تقديم حلول ناجعة وفاعلة للأزمة الراهنة. من جهة أخرى قال مسؤول بوزارة الداخلية أمس الاثنين أن الشرطة التونسية قتلت اثنين من المتشددين واعتقلت اثنين من كبار القادة في جماعة أنصار الشريعة المتشددة. وقال مسؤول بوزارة الداخلية «الشرطة قتلت اثنين من المتشددين من أنصار الشريعة واعتقلت اثنين من كبار المسؤولين في الجماعة من بينهم القائد العسكري للجماعة واسمه محمد العوادي في المرناقية قرب العاصمة تونس.» وقبل أسبوعين أعلن رئيس الوزراء علي العريض تصنيف جماعة أنصار الشريعة جماعة إرهابية بعد أن قال إنه ثبت أنها تقف وراء اغتيال المعارضين العلمانيين محمد البراهمي في يوليو تموز وشكري بلعيد في فبراير شباط الماضي.