خمسون عاماً بالتمام والكمال مرَّت على انطلاق البث الإذاعي من الرياض، إذ بدأ البث في الأول من رمضان من عام 1384ه، وكانت معظم الطاقات في ذلك الوقت من الإذاعيين العرب البارزين من مصر والأردن والعراق وسوريا وفلسطين وغيرها من الدول، وعمل هؤلاء الإخوة العرب على تدريب الطاقات الوطنية التي ما لبثت أن عشقت المايكرفون وألفت الأستديوهات واستوعبت أسرار العمل الإذاعي بكل تفاصيله، فمارس الإذاعيون السعوديون من السنوات الأولى لنشأة الإذاعة: التشغيل والمونتاج وإعداد البرامج وتقديمها، والإخراج، والتنسيق، وبرزت أسماء لامعة في سماء الإذاعة. وفي كل بداية قصة كفاح ونجاح، وقصص فشل، وتجارب، ومغامرات، ولكن إذاعة الرياض مضت بعزيمة قوية مستندة إلى سواعد أبنائها ومحبيها، بدأت بساعات بث محدودة، ومكتبة تسجيلات تضم عدداً يسيراً من الأشرطة، وبعدد من الشباب المتوثب وقت ذاك لخدمة وطنه، ومن الأسماء التي بدأت في السنة التي تسبق البث عام 1383ه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، ومن أبرز الأسماء التي عُيّنت في السنة التي بدأ البث فيها: محمد المنصور، وعبدالمحسن الخلف، ومحمد الدعيج، وخالد اليوسف.. البث من الرياض، والاهتمام بكل ذرة في الوطن ببرامج متنوعة حاولت أن ترضي أكبر قدر من الشرائح المختلفة في المجتمع، فهذه برامج تعنى بالتعريف بجغرافية الوطن وتراثه وتاريخه، وهذه برامج تُعنى بالمرأة والطفل، وتلك برامج تتوجه إلى العسكريين شدأً من أزرهم ومساندتهم، وبرامج لسكان الصحاري تؤنسهم في تلك الأماكن ليلاً ببرامج تهتم بالشعر العامي وبالقصص والحكايات، ودراما متميزة يقوم بها شخص واحد، وهو الممثل الموهوب عبدالعزيز الهزاع في «أم حديجان»، و»وسّع صدرك»، وبرامج كثيرة تهتم بالأدب والتراث والثقافة بشكل عام، ومقابلات وحوارات ساخنة مع المسؤولين في الدولة، ومع المواطنين، ومع المبتعثين، ومع المقيمين، ومع أطياف متنوعة أشد التنوع. إنها جامعة جمعت فأوعت، وسعت فأرضت، ومضت فأبدعت، وخرّجت عدداً من الطاقات الفاعلة في المجتمع تخدم في قطاعات مختلفة. وإذاعة الرياض في مسيرتها الطويلة على مدى نصف قرن قامت بأدوار تنويرية غاية في الأهمية، فلقد قرّبت الثقافة، وأشاعت اللغة العربية الفصحى، وحبّبت مستمعيها في التراث العربي والإسلامي، وحذّرت من السلوكيات المنحرفة والعادات السيئة، ورغّبت في السلوكيات الحسنة، وأسهمت في إدخال السعادة والأنس على المهمومين ببرامجها الترفيهية، وواكبت جميع المناسبات الوطنية المهمة، وفي المقدمة ذكرى اليوم الوطني، وافتتاح المشروعات التنموية، والمدارس والمستشفيات، ومرور مئة سنة على ذكرى تأسيس المملكة، واختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية. كما عنيت أشد العناية بالقضايا السياسية المصيرية، وعلى الأخص القضية الفلسطينية، وأزمة الخليج، وخصصت برامج ومساحات كثيرة من البث لها. وخلال هذه السنين الطوال حصدت إذاعة الرياض العديد من الجوائز على الصعيد المحلي والخليجي والعربي، وأصبح البث على مدار الساعة، وواكبت التقنية ومتطلبات العصر. وإذ ينهض النادي الأدبي بالرياض بعقد ندوة احتفائية بمناسبة مرور نصف قرن على افتتاح إذاعة الرياض، يشارك فيها عدد من الإذاعيين المؤسسين، فإنما يمارس دوره في تقدير العاملين المخلصين، وفي التذكير بما قامت به إذاعة الرياض من أعمال جليلة في التثقيف والتغيير الإيجابي وفي الترفيه. ويعتز النادي والعاملون في مجلس إدارته إذ تلقى خطابين مفرحين من معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجه، ومن معالي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الأستاذ عبدالرحمن الهزّاع، وفيهما ثناء على مبادرة النادي، وإشارة إلى عزم الهيئة إقامة مهرجان كبير احتفاء بهذه المناسبة. كما أن هذه الندوة التي أقرّها مجلس إدارة النادي تأتي في إطار شراكة فاعلة بين النادي الأدبي بالرياض وإذاعة الرياض، فلقد أقام النادي عدداً من الفعاليات المشتركة، منها مسابقة شعرية بمناسبة اليوم الوطني عام 1433ه، وليلة احتفى خلالها ببعض الرموز الإذاعية، وليلة لتدشين أستديو المثقفين، وليلة عن اللغة العربية. وبعد، فشكراً لجريدة الجزيرة، وللزميل الدكتور إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية (وأحد الإذاعيين المعروفين) الذي تفاعل مشكوراً مع هذه المناسبة ووجّه بتخصيص مساحة واسعة لمشاركة إذاعة الرياض فرحتها بعرسها الذهبي. - رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض