إن الإنسان بفطرته يبحث عن السعادة فيعتقد أنها في المال فيسعى جاهدا لجمعه حتى أصبح ثرياً ذا جاه ومكانة في مجتمعه ولكنه شقي وله في جمعه وقد يحرمه ويشغله عن التمتع بالسعادة المنشودة. وقد يعتقد أن السعادة بالبنين وبكثرتهم والتباهي بعددهم، فليس كثرة المال والبنين هو الهدف والغاية لجلب السعادة، بل ذكر الله في كتابه الكريم أنها زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية سورة الكهف، ولكن قد تكون فتنة واختبارا للمسلم، قال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}، حيث ينشغل بكثرة المال والأولاد وتنسيه حمد الله وشكره على هذه النعم عندها يفقد السعادة المرجوة. وقد يعتقد الإنسان أن السعادة تكمن في صحة جسمه فيتباهى ويتقوى على غيره، وما علم أنه مخلوق من ماء مهين، وأنه لم يخرق الأرض ولم ولن يبلغ الجبال طولا، وأن جسمه معرّض للأمراض والعلل في أي لحظة عندها تكون سعادة في هذه الصحة انتهت بأدنى علة تصيبه والكثير غير هذه الأمور التي يعتقد المسلم أنها تؤدي إلى السعادة من الجاه والسلطان والمناصب والجمال أو مركز علمي أو أدبي. ولكن أجزم أن السعادة تكمن وتتحقق للمسلم عندما يكون صاحب قلب طاهر ونظيف ونقي السريرة ينبض قلبه بالحب للآخرين، ولكل الناس وبقلب خال من الحقد والحسد والغل. إن ديننا الإسلامي ودستورنا السماوي القرآن الكريم وأحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المصدر الحقيقي لتنظيم حياة البشرية في جميع شؤونهم المعيشية، حيث شرع لنا العبادات التي تربطنا بالخالق سبحانه وتعالى، ودلنا على سلوكيات تحيي القلوب وتنيرها وتجلب له الاطمئنان والسعادة، ولن أستطيع أن أدوّن ما بينته الشريعة في كل ما يتعلق بهذا الكون ولكني سوف أتطرق في سطوري المتواضعة عن سلوك وعمل دل عليه الكتاب والسنة وشدد في الترغيب والعقوبة لمن تهاون في إدانة العمل به ألا وهي صلة الرحم، وقد ضعف كثيرا وللأسف في الآونة الأخيرة بين الأقارب، والغريب في الأمر أن قطيعة الرحم تحصل من أناس دائمي الحضور للمقابر وعليهم سمات التدين والالتزام ومن نساء يشار لهن بالالتزام والحشمة في ملبسها وتغطية أطرافها وعدم الحضور للمناسبات رغم معرفتها بحكم إجابة الدعوة، فهؤلاء قطعوا ما أمر الله به أن يوصل من صلة الرحم بحجج وأعذار ومواقف نزغ بها الشيطان وحسّنها في عقولهن مثلما نزغ الشيطان بين النبي يوسف عليه السلام وإخوته. لقد نسي هؤلاء قاطعو الرحم أنهم بعملهم خالفوا أوامر الله في كتابه الكريم، حيث قال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ{22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ{23} أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{24}} آية 22، 23، 24 سورة محمد، وقال تعالى:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} سورة النحل آية 90، وفي أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة قاطع) بمعنى قاطع رحم، متفق عليه. وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (من أحب أن يبسط له رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه) أخرجه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (الرحم معلق بالعرش تقول (من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) رواه البخاري. ودائرة الأرحام كما قال أحد المشايخ إن دائرة صلة الرحم هي الوالدان وإن علوا والأعمام والعمات وأبنائهم والأخوال والخالات وأبنائهم. وقد سئل الشيخ العلاّمة ابن عثيمين - رحمه الله - عن دائرة الأرحام فأجاب أنها تصل إلى الجد الرابع، كثيرة الآيات والأحاديث التي تشدد وتحث على صلة الرحم وعقوبة قاطع الرحم. وارجع إلى عنوان مقالي (أتريد أن تكون سعيداً صل رحمك). نعم لا يأمرنا الله بعمل إلا وفيه خيرنا وصلاحنا في الدنيا والآخرة. ولا ينهانا عن عمل إلا وفيه خلاصنا ونجاتنا من عقوبة في الدنيا والآخرة. إن في صلة الرحم يا أخي المسلم سعادة لا توصف واطمئنان في القلب وسعة صدر، ولا يضيرك أو يقلقك من قطعك وأنت تحاول أن تصله، بل تزداد سعادة واطمئنانا وراحة نفسية مهما نالك من هذا القريب من جفاء وصدود، وقد يصل إلى الإيذاء في حقك لأن سلوك وفضيلة صلة الرحم تنبع من المسلم المؤمن بالله الممتثل لأوامره واجتناب نواهيه، ويتمتع بقلب صاف وطاهر ونقي يستعصي على الشيطان أن يخترق أو ينزغ فيه، حيث إنه يسعى إلى الإيقاع بين الأقارب وإحداث المشاحنات والخصومات بينهم حتى ينجح في نيل مراده في التفريق والقطيعة بينهم على أتفه الأسباب. هنا يكمن سر السعادة في صلة الرحم فهو سلوك وقائي ومناعي ودفاعي للنفوس الأمارة بالسوء حتى يضعها في مكانة رفيعة من الاطمئنان النفسي والروحي فينفتح القلب فيحتضن كل الناس. إذاً، صلة الرحم مفتاح لفعل الأعمال الخيرية التي تنفع المجتمع في صلة الرحم سعادة لا توصف وانشراح في الصدر وسعة في الرزق وبركة وقبول من عباد الله ووقاية من العقوبة التي ذكرت في كثير من الآيات والأحاديث الشريفة. وأخيراً يا أخي المسلم لا تحرم نفسك من السعادة في الدنيا والآخرة بعمل يسير وسهل وهو صلة الرحم، فقط طهّر قلبك ونق سريرتك من الحقد والحسد والغل وتعوّذ من الشيطان الرجيم من نزغاته وهمزاته واتق الله في رحمك ولا تأخذك العزة بالإثم فتستسلم لهوى النفس فتسوقك إلى القطيعة والجفاء، وقد تصل بك إلى الإيذاء للآخرين فتصبح والعياذ بالله من الذين أصمهم وأعمى أبصارهم طردهم من رحمته، فتدبّر أخي المسلم الآيات والأحاديث التي نزل على الأمر الإلهي المغلظ، فصلة الرحم ليس فيها خيار أو تهاون مهما حصل من الذين لهم حق صلة الرحم من الأقرباء، فحاسب نفسك وراجعها واتق الله وصل رحمك تجد السعادة والاطمئنان وانشراح الصدر ويرزقك الله قبول من في الأرض ومن خلقه. اسأل الله جلّت قدرته أن يعيننا على أنفسنا وأن يحيي قلوبنا بالإيمان ويملأها بالحب والرحمة للقريب والبعيد، وأن يرزقنا حب من في السماء وقبول من في الأرض وأن ييسر لنا طرق الخير والعمل الصالح الخالص لوجه الله إنه سميع مجيب. - عنيزة