قُرِعَت طبول الحرب في واشنطن، فاهتزت لها سوق الأسهم السعودية، وجاوبتها أسواق الخليج.. لا خلاف على حساسية الأسواق المالية تجاه الأزمات السياسية والعسكرية، إلا أن الأسواق بطبعها، قادرة على تحليل البيانات بمنطقية وعقلانية، معتمدة على عقلانية مستثمريها، وصُنَّاعها الرئيسين، فإن فقدوا عقلانية التحليل، وانضباطية التداول، فقدت السوق توازنها واستقرارها، وتحوَّل غالبية صغار المضاربين إلى تابعين لهم، هلعين من تصرفاتهم، ما يؤدي إلى حدوث الكارثة. ومن هنا نجد الفارق الكبير بين تأثر السوق السعودية الحاد والمدمر بخبر توجيه ضربة أميركية عسكرية لسوريا، والتأثر المنطقي والمتوازن للأسواق الأميركية، كنتيجة مباشرة لكفاءتها، ونوعية مستثمريها.. وعلى الجانب الآخر، كانت الأسواق الخليجية تبحث عمن يقودها في بحر الشائعات المدمرة، وأمواج الهلع المُصطنع، ومن حظها العاثر أن جعلت السوق السعودية، قائداً لها في الأزمات، فدفعت الثمن غالياً. وبالعودة إلى تأثر السوق السعودية الحاد يوم الثلاثاء الماضي، نجد أنها ارتبطت بأسباب نفسية لا علاقة لها بأساسيات السوق، والمخاطر الحقيقية التي كان من الممكن حدوثها لو نُفذت الضربة العسكرية في ذلك اليوم.. زخم التأثير النفسي على المستثمرين كان مصدره مواقع الإنتر نت ورسالات «الواتس أب»، وخزعبلات «تويتر»، وقنوات الفتنة.. عاش الناس أجواء الحرب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والشائعات المنتشرة في كل مكان، وكأنها ستشتعل في ديارهم. كنت أتأمل بعض رسائل «الواتس أب» التي تتحدث عن تحركات الجيش، ودرجة الجاهزية، وبعض المعلومات المهمة التي يفترض أن تكون من المعلومات السرية.. وأعظم من ذلك بعض صور الخطابات الرسمية المتضمنة توجيهات محددة لجهات أمنية، وهي معلومات تُلحق بمن سرّبها، أو زوّرها، أو تداولها، تهمة خيانة الأمانة، وتعريض أمن الوطن واستقراره للخطر. مجتمع ارتهن نفسه للشائعات، وتفنن في صياغتها وإخراجها بأسلوب سينمائي عجيب، ومن ثم ترويجها بين العامة. وجماعات احترفت فن تسويق المعلومات، بعد سرقتها أو تزويرها.. بات الجميع - خبراء عسكريين، ومسؤولين رفيعي المستوى -، ينقلون الأوامر، ويحددون الأهداف، ووقت تنفيذ الضربة العسكرية، وتداعياتها على الأمن المحلي. تنبأ كاتب إحدى رسائل «الواتس أب» بموعد الضربة العسكرية، ونوعيتها، والمشاركين فيها، ثم اختتم رسالته بجملة (من أرض الحدث)، ويعني الحدث الذي لم يحدث حتى الآن.. لدى المجتمع السعودي قدرة عجيبة على تناقل الشائعات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والقبول بها كحقائق ثابتة!. اكتشفت من خلال متابعة دقيقة، وسريعة، لشريحة من متلقي رسائل الواتس أب، و «تويتر»، أن الشائعة قادرة على اختراق المجتمع من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه خلال فترة زمنية قصيرة.. هل وصل الحال بالمجتمع السعودي هذا الحد من تقبل الشائعة والاقتناع بها ومن ثم تسويقها على الجميع دون اكتراث بنتائجها المدمرة؟!. قد تكون حرب الشائعات أشد تأثيراً على الوطن من الحروب التقليدية، وهو أمر علمه أعداء الأمة، وجهله كثير من أبنائها!. تقاتل الاستخبارات المعادية، ولفترات طويلة من الزمن، لبث شائعة واحدة تقوّض فيها أمن الوطن واستقراره.. يبدو أن الاستخبارات الأجنبية، والجماعات المعادية وجدت في بعض أفراد المجتمع السعودي البديل المناسب لأفرادها في الداخل، فهم تفوقوا عليهم قدرة وتنظيماً ونشاطاً.. بات تأثيرهم أكبر بكثير من تأثير الأعداء، يصنعون الشائعات ويسوّقونها، وينقلون أخبار المجتمع، والقطاع الأمني بسذاجة تجعلهم أكثر المتضررين منها مستقبلاً. «الشائعة» كالإشعاع النووي القاتل، الذي تتوسع قوته التدميرية بتوسع دائرته الجغرافية.. أعجب ممن يُعرّض أمن واستقرار الوطن والمواطنين للخطر من أجل كسب الأتباع أو المؤيدين في شبكات التواصل الاجتماعي، ومن أولئك المغردين بالمعلومات «السرية»، المصنفة ضمن المعلومات «الاستخباراتية» التي يجهلون تأثيرها الأمني، وعواقبها القانونية.. وأعجب من بعض قادة الفكر، ممن وثق بهم الأتباع، فأقبلوا عليهم زرافات، فكافؤوهم بالشائعات، وملؤوا قلوبهم بالهلع، والشك، والسخط بدلاً من السكينة، والثقة، والرضا، والتوكل على الله. أصبحت «الشائعة» تنخر مجتمعنا من الداخل، وتسهم في تقويض أمنه واستقراره، وتُوَجَهُ لضرب الاقتصاد.. قد يغفل المستثمرون عن دورهم في إشاعة الأمن والاستقرار من خلال المحافظة على رتم السوق، وبث الطمأنينة في قلوب المتداولين والمراقبين والمهتمين. تُعتبر الأسواق المالية أحد أهم مؤشرات الأمن والاستقرار، ما يجعلها هدفاً للدعم والحماية من قِبل الحكومات، في أوقات الأزمات.. سوق الأسهم هي جزء من الاقتصاد الذي يُبنى على استقرار الوطن، فإن فُقدَ الأمن والاستقرار فُقدَ كل شيء، فهل يحرص الجميع على أن يكونوا لبنة من لبنات سور الأمن الوطني، لا معول هدم لأسوار الحصن المنيع. [email protected]