كتب - صالح بن عبد الكريم المرزوقي: هما بيتان من الشعر لا ثالث لهما قالهما الشاعر المعروف محمد العبد الله القاضي رحمه الله في مناسبتين مختلفتين حيث قال: لو اتمنى قلت ابي راس حمّوم بالليل ولا بالنهار ابي راسي ولا فبي لي معدة مثل عكوم اللي تحدر كل لين وقاسي ومناسبة البيت الأول هو أن القاضي قد اشتهر بالسهر فهو لا ينام من الليل إلا قليلاً فأول الليل يقضيه مع أصدقائه في جلسة يطلق عليها (الدورية أو الدايرة) حيث أنها تدور على الجميع ففي كل ليلة تكون عند احدهم وتلك الجلسة لا تتجاوز أكثر من ساعتين من بعد صلاة العشاء مباشرة ويتم فيها تناول الأحاديث التي يدور مجملها حول أخبار المجتمع بالإضافة إلى تناول بعض الأشعار لمن لهم اهتمامات بهذا الشأن ولا يتناولون في تلك الجلسة سوى (القهوة والشاي) وقد يدخل من ضمنها (الحليب) خصوصاً في ليالي الشتاء الباردة لأن الناس في ذلك الزمان كانوا يتناولون طعام العشاء قبل صلاة المغرب وقد ظلت هذه العادة (أي الدورية) متوارثة حتى وقت قريب في عنيزة وغيرها من المدن المماثلة لها اجتماعياً إلى أن جاءت فكرة الاستراحات، حيث حلّت بديلاً لتلك العادة.. نعود إلى القاضي الذي بعد أن تنفضّ تلك الجلسة يذهب إلى بيته حيث يجلس وحيداً يسامر قهوته وفي إحدى الليالي كان ذاهبا كعادته بعد صلاة العشاء إلى حيث أصدقائه شاهد الشخص الذي ورد اسمه في البيت أعلاه والملقب (حمّوم) بتشديد الميم المرفوعة وهو من عائلة (الخريجي) وكان جالساً فوق عتبة احد الدكاكين التي هي في طريق (القاضي) حيث كان يسكن بالقرب من السوق الرئيسي لمدينة عنيزة وعلى مقربة من الجامع الكبير المطل على ساحة (المجلس) وهو السوق الذي يعج بالحركة التجارية و تجلب فيه الإبل والغنم وخلافها و فيه يجلس الأمير يوميا مع حاشيته بعد صلاة العصر. فنظر القاضي إلى (حمّوم) فوجده جالسا مستندا على ظهره ويغط في نوم عميق فذهب وتركه وعندما عاد القاضي بعد أن انفضت الجلسة مر به فإذا هو على وضعه لم يتحرك و مضى في طريقه إلى بيته وقبل صلاة الفجر خرج القاضي كعادته قاصداً المسجد فوجد صاحبه على تلك الحال فشك في أمره حيث ظنّ أنه قد حدث له مكروه فاقترب منه وأمسك بيده فتحرك وفتح عينيه وبعد أن عرفه قال له انهض فنحن على مقربة من صلاة الفجر وقد تعجب القاضي كيف يستطيع هذا الشخص النوم طوال تلك الفترة وهو جالس فوق عتبة دكان وهو أي القاضي لا يأتيه النوم إلا خلسة وبعد عناء وهو الذي قد هيأ نفسه للنوم بجميع وسائل الراحة المطلوبة فقال هذا البيت الذي أصبح يتردد صداه حتى الآن وقد تواترت بعض الروايات حول تلك القصة فهناك رواية تقول إن القاضي طلب من ذلك الشخص أن يأتي بعد صلاة الفجر ليشرب القهوة عنده حيث سأله عن سبب نوه المتواصل وفي هذا المكان بالذات حيث ذكر أنه كان متعبا في ذلك اليوم وأنه قد ذهب إلى منطقة (صعافيق) الواقعة جنوب شرق مدينة عنيزة لإحضار بعض الحطب وأنه جاء لكي يصلي العشاء فجلس على عتبة الدكان ليرتاح قليلاً قبل الأذان فأخذه النوم وهناك رواية أخرى تقول إنه ربما كان يقوم بعمل (العسه) آنذاك لأنه ليس هناك من داع لبقائه في ذلك المكان وفي تلك الساعة المتأخرة من الليل إلا انه يمارس مثل هذا العمل لحراسة المحلات التجارية وهي الطريقة التي كانت قائمة منذ زمن بعيد ويطلق عليهم (العسس) ولقد ظلت تلك المهنة قائمة حتى وقت قريب. ولقد ظل اسم (حمّوم) مضرب المثل في مثل تلك الحالة. وقد استعرت ذلك المعنى من القاضي وضمنته قصيدة أقول منها: هني قلب دالهن دايم الدوم تمضي حياته بين ضحك ووناسه خالي ولا عنده هواجيس وهموم إلى شرب فنجال طير عماسه لامشغل فكره ولا هوب ملزوم بمتابع اخبار الفضا والسياسة بالليل له راس مثل راس حمّوم اللي خذا الشهرة بكثرة نعاسه عقب العشا يطرب ويشتاق للنوم يغط في نومه إلى حط راسه أما البيت الثاني الذي يقول: ولا فبي لي معدة مثل عكّوم اللي تحدر كل لين وقاسي فهو أن (عكّوم) بفتح العين وتشديد الكاف المرفوعة وهو لقب أيضاً لشخص من أسرة (الفياض) الموجودة في عنيزة وهو الجد الذي حمل اللقب، وقد استمر لقب (العكّوم) يطلق على هذه الأسرة حتى قبل فترة قريبة إلى أن رجعوا للاسم الصحيح وهو (الفياض). وعكوم اشتهر بأنه رجل (أكول) ويحمل في جوفه (معدة) لها قدرة على تحمل جميع أصناف الأكل دون تمييز أو تحفظ. وهناك الكثير من الروايات التي تدل على ما يتمتع به من قدرة على التهام الكثير من أصناف الأكل دفعة واحدة دون أن يكون لذلك أثر على صحته أو حيويته ونشاطه، وهذا ما جعله مضرب المثل في هذا الشأن. والحقيقة أنه ليس الوحيد الذي يضرب فيه المثل في هذا الجانب، فهناك الكثير من أمثاله في ذلك الزمن، ويقال إن أحدهم أكل ذات يوم (مصير) وهو عبارة عن قطعة من (مصران) الإبل محشو بأصناف من شحوم البعير ومعه قطع صغيرة من اللحم قد تركت في جوف ذلك (المصير) فترة من الزمن، وبعد أن التهم تلك القطعة انجضع في مجرى الماء الذي يسقي الزرع والبرسيم في المزرعة ويسمى (الساقي) وجعل جسمه من ناحية الرأس إلى الأسفل وبقية جسمه من ناحية الأرجل إلى الأعلى، وعندما سئل عن سبب قيامه بتلك الحركة قال أريد أن أرى (الغيرة) - وأظنها ما تسمى الآن بالحموضة - ولكن يبدو أنه لم يحس بشيء من هذا حيث قام دون أي عارض صحي بل ربما زاد نشاطاً وقد وردت الغيرة في بيت للشاعر حميدان الشويعر يقول: أنا من قوم تجرتهم ارطى الضاحي ودوا الغيره وعلى العموم فقد أصبح (عكّوم) مثلاً يضرب به لكل شخص (أكول) خصوصاً من يخلط أنواعاً كثيرة من الأكلات الدسمة ويأكلها دفعة واحدة دون أن يكون لذلك أثر على صحته أو حيويته. ولقد ظل اسم (حمّوم وعكّوم) متلازمين منذ ذلك الزمن حتى وقتنا الحاضر يتم استحضارهما في أي مناسبة تستدعي ذلك الحضور وربما يتم ذلك دون معرفة لأي من تلك الشخصيتين أو أسباب شهرتهما وإنما يتم بالتناقل مثل أي مثل شعبي دارج.