في الوقت الذي تبرز مشكلة البطالة كأحد عوائق التنمية عالميا، أثارت مؤسسة «بيرسون» عملاق خدمات التعليم في العالم في إشادتها بتقرير للبنك الدولي يشير فيه إلى أن المملكة تحتل حالياً أعلى معدل إنفاق على قطاع التعليم في العالم حيث خصصت 204 مليارات ريال من ميزانية العام 2013 م أي ما يعادل 25 % من الإنفاق الحكومي، أثارت جدلا إعلاميا مرده أن الإنفاق يشمل المنح الدراسية للطلاب وبرامج الابتعاث التي توسعت فيها المملكة خلال السنوات الثماني الأخيرة. وفي حديثهم ل«الجزيرة» علق مختصون على مضمون التقرير الذي ربط بين إدراك المملكة أهمية القطاع التعليمي قياسا بنسبة الإنفاق وبين توفير فرص العمل، حيث توقع التقرير دخول عدد كبير من الشباب السعودي في سوق العمل على مدار العقد القادم وهو ما يجعل فرص إيجاد شواغر مجزية لهم تحديا حقيقيا، وتم إيجاد ما يقارب مليوني فرصة عمل جديدة بين العامين 2008 و2012 ذهب 75 % منها للعمالة الوافدة. وقال الدكتور عبد الرحمن السلطان إن المملكة بالفعل تحتل أعلى معدل إنفاق على قطاع التعليم في العالم كنسبة من ميزانية الدولة أو من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنه وفي مقابل هذا الإنفاق الضخم فإنه لا يوازيه تأهيل علمي ذو مخرجات نوعية. وأشار الدكتور السلطان إلى أن مشكلة التعليم في المملكة تكاد تكون مشكلة هيكلية وإدارية بحتة، تتمثل في السلم الوظيفي وغياب المحفزات التي تجعل المعلمين يستشعرون طبيعة العمل الذي يؤدونه، هذا إلى جانب التركيز على مخرجات التعليم العام ما قبل الجامعي، حيث نجد أن 96 % من طلبة الثانوية العامة في المملكة يتم قبولهم في الجامعات مع أنهم غير مؤهلين أصلا للدراسة الجامعية، في حين أنه ووفقا للنسبة العالمية فإنه لا يتمكن من دخول المرحلة الجامعية سوى 40 % من طلبة الثانوية العامة. وهذه بدورها تنعكس سلبا على رداءة المخرجات الجامعية، وهذا ما يفضي لأن تذهب 75 % من الوظائف إلى العمالة الوافدة، التي تمثل الخيار الأكثر رغبة لدى القطاع الخاص، لأن أجرها متدن، ونجد أن القطاع الخاص يبرر هذا التوجه بعدم وجود الشباب المؤهل والقادر على خوض غمار العمل، مع العلم بأن أغلب العمالة الوافدة تتعلم أساليب وطرق العمل وتتدرب عليها بعد قدومها إلى المملكة أي أنها بشكل أو بآخر عمالة غير مؤهلة. فيما أشارت الدكتورة ريما آل صقر إلى أن ميزانية التعليم تمثل نسبة كبيرة من ميزانية الدول المتقدمة نظرا لما للتعليم من أهمية في تطور وتقدم الدول في جميع المجالات كما أن الثروة البشرية هي الثروة الحقيقية لأي دولة. لذلك نجد أن المملكة قد قامت بوضع ميزانية تاريخية وصلت إلى 204 مليار أي ما يعادل ما نسبته 25 % من الإنفاق الحكومي وهو ما يشكل نسبة كبيرة. من إنفاق الموازنة ولكن هل تتناسب هذه الأرقام الكبيرة مع ما نشاهده من مخرجات؟ وأضافت: يجب أن نفرح بهذه الميزانية الكبيرة لكن يجب أن نضع في عين الاعتبار قوة مخرجات التعليم ومدى ملاءمتها لسوق العمل، فمازلنا نحتاج إلى الكثير من التخطيط الصحيح والجهد والعمل للوصول إلى النتائج المطلوبة، ومازالت مخرجات بعض مراحل التعليم لا تتوافق مع مدخلات المرحلة التي تليها. فمثلا نجد أن الجامعات الحكومية والخاصة تعتمد اللغة الإنجليزية في تدريس بعض تخصصاتها بينما مناهج الإنجليزي في التعليم العام مازالت ضعيفة ولا تعد الطالب جيدا للمرحلة الجامعية، على الرغم من توافر السنة التحضيرية في الجامعات إلا أنها غير كافية كما أنه يقع دور أكبر على التعليم العام ليتفهم متطلبات الجامعات ويخرج من خلالها طلابا جاهزين لمواصلة تعليمهم دون عوائق كبيرة قد تؤثر على تحصيلهم وطموحاتهم. وقالت الدكتورة آل صقر: إن هناك عددا كبيرا من المدارس سيتم افتتاحها ولكن يجب أيضاً التركيز على قوة المناهج في جميع المراحل وحداثتها، والصرف على اختيار وإعداد كوادر مؤهلة ومدربة وذات كفاءة عالية تستطيع أن تسهم في رفع جودة العملية التعليمية. والتدريب يلعب دورا مهما بتطوير الكوادر البشرية لذلك يجب الاهتمام به، كما يجب أن يكون هناك تنسيقا أعلى ليس فقط بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ولكن أيضاً بين وزارة التعليم العالي ووزارة العمل للتركيز على متطلبات سوق العمل ورفع مستوى المخرجات وافتتاح أقسام جديدة إذا لزم الأمر وإغلاق الأقسام التي لا حاجة لها وقد تزيد من نسب البطالة حتى لا يتم هدر أموال ومجهودات لا يحتاج إليها سوق العمل. وأردفت قائلة: من الأشياء التي يجب أخذها بعين الاعتبار أن الإنفاق على التعليم يشمل برامج الابتعاث الخارجي الذي ساعد على وجود مخرجات متنوعة في كل شي وأثرت بذلك سوق العمل السعودي، فالابتعاث أوجد توازنا بين ما ينقص جامعاتنا من تخصصات أو مناهج مطورة وكذلك وفر لسوق العمل تخصصات جيدة يحتاج إليها وكذلك أعطى فرصة للشباب للحصول على علوم من دول متقدمة وقدم فرصة لتوسيع مداركهم بثقافات الشعوب المتقدمة.