خرجت للصلاة في أحد المساجد، وبعد انتهاء الصلاة وقف واحد من الناس يهذي بعبارات تستفز قلوب البشر وتستجدي مشاعرهم، ثم بكى وانحاز إلى أحد الجدران عند باب الخروج من المسجد، بسط يده لتلقي الإحسان من ذوي القلوب الرحيمة، تأملت فيه من بعيد فإذا هو شاب لا تبدو عليه إلا مظاهر الصحة، وسألت نفسي لماذا يلجأ مثل هذا إلى إراقة ماء وجهه وطلب العون بدلاً من اللجوء إلى أفضل مصادر الكسب وهو العمل، لعله بحاجة إلى عمل مناسب، وتركت المسجد وانصرفت، وبجوار البقالة كان هناك مقعد كبير يسع العديد ممن اعتادوا أخذ قسط من الراحة بجوار البقالة قبل الانصراف إلى بيوتهم، أو الالتقاء ببعض الأصدقاء على قارعة الطريق، وفجأة وجدت هذا الشاب إلى جواري، حياني ورددت عليه التحية، إنه من بلد عربي له حدود مشتركة مع المملكة، وبصحة جيدة، قد يكون متسللاً من الحدود ولا يستطيع أن يلتحق بعمل نظامي، أو فضل الكسب الرخيص دون عناء عن طريق التسول. فالمتسول يطلب مال غيره ويكسبه دون عناء، وقد يكون محتاجاً أو غير ذلك، لكن العيب فينا إذا لبينا طلبه بمد يد العون لمن هو قادر على الكسب الحلال، فهم يبتزون أموال الناس ويأكلونها بالباطل، لقد أصبحت الشحاذة مهنة من لا مهنة له من هؤلاء المحتالين، وأساليبهم تتطور يوماً بعد يوم في خداع الناس والحصول على المال بغير وجه حق. فلمن نقدم العون إذاً؟ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا (273) سورة البقرة. ورغم جهود الدولة -أعانها الله- في سد عوز المحتاجين والإنفاق على اليتامى والأرامل إلا أن البعض يستمرئ هذا الكسب العاجل السخي ظناً منه أنه حلال وهو الحرام بعينه، فالسؤال أو الشحاذة هي إظهار للفقر وشكوى من تقصير الله في حق السائل، والسائل يذل نفسه لغير الله عز وجل ويؤذي المسؤول، وفي السؤال إحراج وإيذاء للمسؤول الذي قد يعطي إما حياء أو رياء مما يحرم فعله من الطرفين السائل والمعطي، واتفق أهل العلم على أن التسول لغير ضرورة محرم، ففيه تعطيل للطاقات البشرية عن الكسب المشروع. والعجيب أيها الإخوة والأخوات أن من الشحاذة ما يعد نوعاً من الإدمان على هذا السلوك، فكسب المال بهذه الطريقة أسهل ما يكون وقد اعتدنا أن نسمع قصصاً عجيبة عن هؤلاء الشحاذين وتركتهم المثقلة بنار جهنم. والله من وراء القصد..