من الظواهر غير المقبولة والتي انتشرت في المجتمع ذهابُ الحياء من وجوه بعض الناس المقتدرين، حيث اتخذوا التسول حِرفة ومهنة لهم، فقد جِهلوا أحكام دينهم، فاستلذوا الكسل والخمول وجَعلوا التكفف والسؤال تجارةً وبضاعة لهم، ومنهم طائفة كبيرةٌ وهَبهم الله قوةً وعافية، فمدوا أيديهم بالسؤال واذهبوا ماء وجوههم بالإلحاح في الطلب. ولقد كثر هذا الصنف من الناس، حتى صاروا في كل مكان، بل عَرَّضُوا أنفسهم للخطر، في أماكنَ ليست محلَ سؤالٍ ولا تسول، كمن يقف في طرق سريعة، ويمشي بين مرور السيارات وأمام إشارات المرور، ومنهم من يستغل الناس ويستعطفهم بحمل طفل برئ، وافتعال إعاقة، ومنهم من تشبه بالنساء في لباسه ومشيته، لا يقف طمعهم عند حد، وليس لجشعهم غاية، اتخذوا التسول مورداً للتكسب. ولا يكف الواحد منهم عن السؤال مهما جمع من المال، ولو عُرِضَ عليه عمل يأخذُ أجْره خالصاً، ربما رفض وأبى، ولو نُصِح عن هذا الفعل لأعرض وعصى، ولو أٌعطى ما يكفيه لعكف على ما هو فيه، وقد يَحلف إيماناً أنه لم يَجد مَن يغديه أو يعشيه، فهذا لا يسأل لاحتياجه، وإنما يسأل لطمعه واعتياده. أسعد الناس وأشار وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور/عبدالله بن عبدالرحمن الشثري إلى أنّ الإنسان كلما كان أذلَّ لله، وأعظمَ افتقاراً إليه، وخضوعاً له كان أقربَ إليه وأعزَّ له، وأعظمَ لقدره، فهو الغنيُّ الذي لا تَغيض خزائنه ولا يَنفد ما عنده، فأسعد الخلق أعظمهم عبودية لله، وأكثرهُم حاجة إليه، وأما المخلوق فكما قيل: احتج إلى ما شئت تكن أسيرهُ واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، فأعظم ما يكون العبد قدراً وحرمةً عند الخلق، إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه، فإن أحسنت إليهم مع الاستغناء عنهم كنتَ أعظمَ ما يكون عندهم، ومتى احتجت إليهم ولو في شربة ماء، نقصَ قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم. وأضاف وهذا من حكمة الله ورحمته ليكون الدين كلهُ لله، ولا يُشْرَكُ به شيئاً، ولهذا قال حاتمٌ الأصم لما سئل: فيم السلامة من الناس؟ قال: «أن يكون شيئك إليهم مبذولاً وتكون من شيئهم آيساً»، فالرب سبحانه أكرم ما تكون عليه، أحوج ما تكون إليه، وأفقر ما تكون إليه، والخلق أهونُ ما يكون عليهم أحوج ما يكون إليهم؛ لأنهم كلهُم محتاجون في أنفسهم إلى ربهم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ د.الشثري: النصوص الشرعية حثت على التعفف والترفع عن سؤال الناس الإسلام يحث على الكسب والعمل وينهى عن الخمول والكسل نصوص شرعية وأوضح أن النصوص الشرعية جاءت لتحث على التعفف والترفع عن سؤال الناس، فقد أثنى الله على الفقراء المحتاجين، الذين ظهرت عليهم الفاقة والحاجة، لكنهم تعففوا عن السؤال، قناعة بما أعطاهم مولاهم، يقول الله عن هؤلاء الذين شَرَّفوا أنفسهم بالتعفف للفقراء الذين احصروا في سبيل الله ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ﴾، وفي الآية مدحٌ وثناءٌ وتعظيمٌ للمتعفف عن ذلك، وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، قالوا فما المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يُفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً». كثرة السؤال وأضاف: وفي البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كره لكم ثلاثاً، قيل، وقال وإضاعةَ المال، وكثرة السؤال»، وفي الصحيحين أيضاً من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم»، وجاء الوعيد الشديد للذي يسأل الناس استكثاراً من غير حاجة ولا ضرورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسال خمراً فليستقل أو ليستكثر»،أخرجه مسلم، فمن سأل سؤالاً لا يجوز له.. فقد خدش وجهه، ففي مسند الإمام أحمد من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسألة كدوح أي خدوش في وجه صاحبها يوم القيامة فمن شاء استبقى على وجهه». العقوبة وأردف: وفي الحديث الآخر عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك»، أخرجه الترمذي وصححه النسائي وابن ماجة، وهذه الأحاديث فيها بيان عقوبة مَن يسأل لغير حاجة، ودلت هذه الأحاديث على أن مَن سأل ليستكثر فإنه يُعاقب عن القليل من ذلك والكثير، كما بين ذلك أهل العلم، ويُوضح ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود عن سهل بن الحنظلية قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل شيئاً وعنده ما يُغنيه فإنما يستكثر من حمر جهنم، قالوا يا رسول الله : وما يغنيه؟ قال: ما يغديه أو يعشيه»، وفي صحيح مسلم، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه في البيعة: «ألا يسألوا أحداً شيئاً»، حَملاً منه لهم على مكارم الأخلاق، والترفعِ عن تحمل مِنن الخلق وتعليم الصبر على مضض الحاجات والاستغناءِ عن الناس في كل الأحوال، حتى كان بعض الصحابة يَسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحداً يناوله إياه. الكسب والعمل وأكد «د.الشثري» على أنّ الإسلام يحث على الكسب والعمل، وينهى عن الخمول والكسل، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأن يَغدُوا أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق ويستغنى به من الناس خيرٌ من أن يسأل رجلاً أعطاه أو منعه ذلك فإن اليد العليا أفضلُ من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول» وهذا لفظ مسلم، وفي هذا الحديث الحضُ على التعفف عن المسألة والتنزهِ عنها، ولو امتهن المرء نفسهَ في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبحُ المسألة في نظر الشرع، لم يُفَضِّل ذلك عليها؛ وذلك لما يدخل على السائل من ذُل السؤال، ومن ذل الرد، إذا لم يُعط، ولِما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعْطَى كل سائل، ولكن هذا المتسول يكره العمل ويمقت الكد، ويستلذ الكسل، ولا يعرف الجد، فيبخلُ بقُوَّتِه، ويعطلُ قدرته، ويُضيع كرامته، ويخدشُ وجهه بسؤاله للناس. إعطاء من يستحق ودعا المتصدقِ والمنفقِ والمزكي أن يتقي الله في ماله ولا يضعهُ إلا في يد من يستحقه، وينبغي على صاحب المال أن يطلبَ ويبحثَ عن الفقراء، ويستكشفَ عن مواطن أحوال أهل الخير والتجمل من الفقراء والمحتاجين ممن يكون مستتراً مخفياً لا يظهر حاجته ولا يُكثر البث والشكوى، أو يكونُ من أهل المروءة، لكن نزلت به نازلة فذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب الحياء والتجمل؛ لأنه كان مستغنياً من قبل لكن آلت به الأحوال والظروف إلى الحاجة، فثوابُ صرفِ المعروف إلى هؤلاء أضعافُ ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال، كما ينبغي على المسلم أن يطلب بصدقته مَن تزكو به الصدقة كأن يكون أهل علم فإن ذلك إعانةٌ له على العلم، والعلم أشرفُ العبادات إذا صحت فيه النية، وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم فقيل له لو عممت، فقال: إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضلَ من مقام العلماء، فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يُقبل على التعلم فتفريغهم للعلم بالصدقة عليهم أفضل. انكشف أمره وأشار إلى أنّ كثيراً من المتسولين كان يجمع المال فانكشف أمره بموته، وليس كل سائل بمسكين أو محتاج فمنهم من يتظاهر بالعمى وعينه تكاد تبصر النقود في جيوب أصحابها، ومنهم من يتصنع العرجَ والمرضَ أو الصممَ والخرس، وهم الأصحاء الأشداء إذا رَجعوا لمأواهم وخلوا بأنفسهم، فهؤلاء لا تحل لهم الصدقة، فالفقير مَن نطق بفقره حاله لا كلامه ومقاله، والمسكين من سعى لعمل فلم يوفق وجَدَّ وبذل فلم يفلح، وسُدت في وجهه السُبل، وربما باع متاعه وانزوى خجلاً وسكت حياءً، وتجلد للبؤس حتى تُنِم حاله عن فقره، وترى علاقة الاحتياج في وجهه. لا يرضاه الإسلام وقال «د.الشثري» إن التسول لا يرضاه الإسلام لأهله، فكيف يتخذه الإنسان مهنة وحرفةً له، يريد الله أن يبعث في الإنسان الكرامة والرفعة، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم﴾، ولكن المتسول يريد لنفسه الإهانة والسقوط، يريد الله للإنسان العزةَ والعلو ولله العزة، والمتسول يريد أن ينذل ويتسفل وينحط، فديننا أمر بالإنفاق والتصدق، وحث على البذل والعطاء ولكنه أمر بالجد والاكتساب والعمل وجعل خير ما يأكل الإنسان من عمل يده، وحَرّم الإسلام التصدقَ على الغني، وعلى صحيح الجسم القوي، فلا تحل الصدقة لمن عنده ما يغنيه عن السؤال، ولا لسليم قادر على التكسب والعمل. ضرورة ملحة وأوضح أنّ الإنسان قد يقع في ضائقة مالية وحاجة، وضرورة ملحة بل قد يقع في أمرٍ لا يجد بُداً في أن يسأل إخوانه وهنا أباح الإسلام السؤال لهذه النازلة، كمن تَعرِضُ له حاجة من الحوائج توجب السؤال أو مَن يسأل لعلاج مرض أو سداد دين لقوله – تعالى ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ﴾، فمثل هذا تحل له المسألة، يدل لذلك ما أخرجه مسلم أن قبيصة بنَ مخارق الهلالي قال: «تحملت حماله فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: قم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها، قال: ثم قال يا قبيصة: –وهذا موطن الشاهد – إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة، أي فقر فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً فما سواهن من المسألة ياقبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً». التعفف عن المسألة وأشار «د.الشثري» إلى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه التعفف عن المسألة وعلمهم طرق الاكتساب، فإن المسألة لا تسوغ إلا في أمر لا يجد الإنسان منه بداً وما تدعو إليه الحاجة والضرورة، وهذا هو السمو النفسي والكمالُ الخلقي والرفعة عند الله، وعلى الإنسان أن يجاهد نفسه في التعفف وعدمِ سؤال الناس، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى أحدٌ عطاء هو خير له وأوسع من الصبر. د.عبدالله الشثري متسول سليم لايعاني من مرض استخدم جهاز التنفس للحيلة