يتصل علي أحدهم يطالبني بالكتابة عن مشاكل عمائر بن لادن في مكة، وآخر عن كذا وكذا. وأنا أفرح وأرحب بهذا، ولكن هل من معلومات موثقة؟ حديث المجالس والاستراحات يجب أن لا يتبناها كاتب صحفي دون الإحاطة الموثوقة بخلفياتها وجوانبها العلمية والمعلوماتية. فالكتابة الصحفية ليست مجرد خرط كلمات في مقال وانتهى الأمر، إلا إن كانت حول السياسة في دول الجوار. وفي بلادنا لا ينظر شعبيا - غالبا- إلى نوعية مصداقية المقال من الناحية العلمية والمعلوماتية، بل لموافقة ما يكتبه الكاتب لهوى واتجاه الشارع. وكذا الإعلام، فهو وإن كان موجه للشارع، إلا أنه وفي نفس الوقت - غالبا- تبع للشارع فلا يتبنى بموضوعية حدثا من أحاديث الصحافة إلا إذا كثرت المقالات في هذا الموضوع، بغض النظر عن سطحية المقالات وضعف مصداقيتها. وقد يحتج معترض على طرحي هذا، بأن الحصول على المعلومات عزيز وصعب في بلادنا، مما يضطره إلى اعتماد أحاديث المجالس. وقد يحصل الكاتب على معلومة موثقة مسكوت عنها عن طريق خاص فلا يستطيع - أدبيا، وأخلاقيا- أن يكتب في الموضوع مطلقا لعدم سماح مصدر المعلومة بالكتابة بأي شكل من الأشكال عن الموضوع؟ حتى ولو حصل الكاتب على المعلومة من مصدر آخر لاحقا. وأقول وهذه شكوى الكاتب العربي. فهذا القيد الكهنوتي للمعلومات هو الذي يقيد مواضيع المقالات التي يكتب فيها الكاتب الذي يعتني بمصداقية ما يكتبه. وهذا مما يلجئ الكاتب إلى الكتابة التحليلية المنطقية العلمية لمعلومات معروفة بالضرورة متعلقة بحوادث قد تواتر صدق خبر وقوعها، فينظر لها بطريقة مختلفة عن المألوف، فيظهرها في صورة قد تكون مختلفة عن تصورات الشارع أو بصورة تطرح الموضوع من جهة خفية لم يلتفت إليها الشارع. وهذا النوع من الكتابة يواجهه عائقين لوصوله إلى عقل الشارع العربي؛ الأول مشكلة عدم فهم الكتابة المنطقية التحليلية من عامة قراء الشارع العربي، والثاني وهو أشد صعوبة من الأولى وأقسى، وهو كون الشارع العربي قد تلقن ثقافيا وتعليما مبدأ الممانعة والشك الاتهامي لكل فكر لم يألفه أو طرح يتخالف مع يعرفه مسبقا. فعقول غالب عامة الشارع العربي تعشق الدعة والسكون ولا تريد أن تحرك وتعكر ماء صفوها الساكن. وفي بلاد العرب قد لا تجد صحفية عربية موثوق بصحة ما يكتب فيها، ومعيار الثقة هو: أن ما يكتب فيها من رأي أو غيره قد يخرج رئيس الدولة أو من يمثله ليدلي بتصريح توضيحي نحو ما كتب في الجريدة. ولذا فإني أعتقد أن غالبية أنظمة الحكم في العالم العربي قد شاركت في الإسهام في فشل الصحافة العربية في تحقيق المصداقية، بجانب العوامل الثقافية والاجتماعية الأخرى. وقد طالبت مراراً، عن طريق الكتابة وعن طريق الأحاديث الخاصة والرسمية، بضرورة تنظيم آلية تتولى فيها الجهات المسئولة بالرد على ما يكتب في الصحف وتظهر الحقائق فتعترف بالصحيح منها وتفند الإشاعات وتبين خلفيات الصحيح المختلط حتى تتميز الكتابة الصحفية وبالتالي تظهر الصحف ذات المصداقية على غرار الصحف التي تتمتع بمصداقية في الغرب والتي تخرج الرئيس وحكومته عن صمتهم. ووجود مثل هذه الصحف هو الحل الوحيد الذي يقف أمام طوفان المزايدات والإشاعات ونحوها التي تزخر بها وسائل التواصل الاجتماعي. ووجود صحف كهذه يمثل أيضاً صمام أمان في حالات الفوضى الفكرية التشاغبية التي قد تنتاب الشارع عند حدوث حدث معين. إن فتح باب حرية الصحافة دون توجيهها بوضع الآلية المتجاوبة التي تميزها وتفصل بين الصحافة الجادة الصادقة وبين غيرها هو في الواقع قتل للصحافة وتحوير لمهمتها من ضابطة لفكر للشارع إلى مجرد وسيلة أخرى لا وزن لها من وسائل التواصل الاجتماعي. [email protected] تويتر@hamzaalsalem