قال أمير الشعراء أحمد شوقي يذكر المعلم ويذكر فضله: (قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا) فإن للمعلم في قديم الزمان وحديثه وغده أهمية بالغة، كيف لا، وغاياته نبيلة وأهدافه سامية، فالتلميذ يضفي على المعلم قداسة وحذوة تفوق تلك القداسة التي يضفيها على والده، ولا غرو في ذلك فالمعلم هو الذي عرفه الطرس وبواسطة المعلم فك اليراع وعرف مداده. لقد خطا التعليم في المملكة العربية السعودية خطوات وثابة، فقبل ما يقرب عن ستين عاماً كانت الأمية تضرب أطنابها في النسيج الاجتماعي، وبفضل جهود المخلصين اجتثثناها من جذورها، وهذا دليل واضح على حرص القائمين على الحراك التعليمي منذ زمن ليس بالقريب.. واليوم ها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين -حفظهما الله من كل سوء ومكروه- أوليا التعليم مهمة كبيرة، فثلث ميزانية الدولة التقديرية أو أكثر يستهدف بها وزارة التربية والتعليم. وما دام الحديث عن التعليم فهو يقوم على ثلاثة أركان كل ركن يعضد الآخر (المعلم - المقرر الدراسي - البيئة التعليمية)؛ وإني سأستفيض هنا وأتحدث عن ثالثة أثافي العملية التعليمية ألا وهو المعلم ودوره في التعليم، ولكني أرى كما يرى غيري أن دور المعلم قد انحسر لعدة أسباب متضافرة منها على سبيل المثال لا الحصر: السبب الأول: ضعف مخرجات التعليم العالي وما يتلقاه الطالب الجامعي في سني تعليمه، فالتعليم العالي عندنا اليوم لا يقدم للدارس تعليما يليق بمكانة هذا التعليم؛ فلا يعدو أن يكون المقرر الدراسي وريقات متناثرة هنا وهناك لا ترفع رأساً ولا تهدي ضالاً، فالطالب يتخرج في الجامعة وليس بوفاضه إلا النزر اليسير من العلم والمعرفة التي يدلف بها إلى أفق أرحب في ميدان التربية والتعليم، فإذا ما نزل الطالب في ساحة مهنة التعليم فإنه متدني المستوى لا يكون رصيداً فياضاً للتلميذ. السبب الثاني: إن من تلك الأسباب التي تجعل المعلم اليوم لا يكون له مخرجات جيدة هو لانشغاله بأشياء لا تمت لمهنة التعليم بصفة البتة !فكثيراً ما نرى أن معلم اليوم يزاول أعمالاً تزاحم مهنة التعليم. بل لا أرجم بالغيب إذا قلت إن مهنة التعليم هي مهنة ثانوية وما سواها من تلك الأمور هو الشيء الأساسي، فالمعلم يشتغل بالتجارة بيعاً وشراء ونحو ذلك من الأمور التي تعد صارفة له عن مهنة التعليم، فالمعلم والحالة هذه في معزل بعيد عن ملاحقة كل جديد في حقل التعليم، وإنه مما يندى له الجبين، أننا نرى المعلم وهو في بيئة التعليم كعصفور في قفص يتطلع إلى ساعة إطلاقه؛ وعهده بالمدرسة خروجه منها ظهراً إلى صباح الغد الباكر. السبب الثالث: إن من تلك الأسباب التي تجعل المعلم اليوم لا يعطي هو لأن المعلم أحياناً يتخرج من الجامعة ومن ثم يزاول التعليم في سن لا تؤهله ليكون معلماً للناشئة، بل إنه هو الآخر بحاجة ماسة إلى عملية تهذيب وتربية لصغر سنة.. فالمعلم الذي يطرق أبواب التعليم العام اليوم ما زال في سن المراهقة ذات الأطوار المختلفة المتناقضة. لذا فإني أقترح أن يقوم بتعليم المرحلة الابتدائية معلمون كبار في السن لأن هذه المرحلة عادة هي مرحلة بناء وتأسيس فلا بد أن توكل هذه المهمة إلى صفوة من المعلمين ذوي مستوى رفيع في العلم والآداب.. فطالب المرحلة الابتدائية هو بحاجة ماسة إلى قدوات يحتذي بها. السبب الرابع: إن من تلك الأسباب التي تعوق إعطاء المعلم مخرجات جيدة هو أننا نغض الطرف عن مستواه التعليمي، ولم يُعمل له اختبارات قياس بين الفينة والأخرى لنقف عن كثب على مستواه التعليمي، وإني هنا على علم أنه يُجرى لمن أراد أن يزاول مهنة التعليم اختبار قياس، ولكني أناشد الوزارة أن تكون امتحانات القياس بين كل حين وآخر حتى يكون المعلم على أهبة الاستعداد لذلك، ومن ثم فإنه ينمي العلم والمعرفة في ذاكرته دائماً. السبب الخامس: إن المعلم حينما يقوم بمهنة تعليم المقرر الدراسي فإنه يقدم المنهج بعيدا كل البعد عن الحياة ومعتركها ولا يشعر التلميذ بأن ما يدرسه ما هو إلا شيء سيتعرض له في الحياة ولا شك.. إذا إن تدريس المقرر الدراسي وعدم صهره في بوتقة الحياة العملية فإني لا أشك لحظة واحدة أن التلميذاً يعتقد أن ما يلقى عليه من معلومات ما هي إلا حشو ومعلومات جوفاء ليس لها في ميدان الحياة من تطبيق!.. إذاً والحالة هذه فإذا ما أردنا أن ينظر التلميذ إلى المقرر الدراسي بصورة يصحبها نوع من الاهتمام فلابد أن نُنزل المقرر الدراسي إلى أرض الواقع، ومن ثم فإن التلميذ يعير المقرر أهمية تذكر. وإني هنا ربما أعرج على نقطة يشتكي كثير من المعلمين بسببها، وهي أن المعلم قد سقط من عين التلميذ وأنه ينظر إليه بنظرة دونية، نعم.. إذا كان المعلم على هذه الشاكلة لم يقدر مهنته فمن باب أولى أن تهون مهنة التعليم عند الطالب. إن أي حضارة مادية أو معنوية إنما تناط على كواهل شبابها فهم عدة الأوطان وأساس بنائه، فإذا لم يكن لدينا شباب قد تخرجوا على أيدي رجال علم ومعرفة فلن يتسنى لنا أن نحرز سبقا بين الأمم. وإني هنا في خضم هذا المقال لا يمكنني أن أنسى تلك الأيادي البيضاء والسواعد الفتية من قبل المختصين بحركة التعليم وعلى رأسهم سمو الأمير فيصل بن عبدالله آل سعود الذي حاول جاهداً بكل ما من شأنه أن يرتقي بمستوى عملية التعليم، فجهوده نلمسها جلية وثمارها يانعة، فهو يسير بهذا المرفق من تطوير إلى تطوير، وما قلته سابقاً عن التعليم لا يعدو أن يكون مثل قول القائل: (لن تعدم الحسناء ذماً) أو قول الشاعر العربي: شخص الناس لجمالك فاستعذت من شرهم بعيب واحد