قدم صندوق النقد الدولي تقريراً بعد مراجعة دورية لاقتصاد المملكة وبعيداً عن الثناءات التي ذكرت بالتقرير عن الأداء الاقتصادي المميز كونها معروفة وواضحة إلا أنه بنفس الوقت قدم الصندوق نصائح وتصورات لا تنسجم مع مجمل رأيه حول الأداء الاقتصادي والتوقعات المستقبلية. فقد نصح الصندوق برفع الدعم عن أسعار الطاقة.. أي رفع أسعار الكهرباء والوقود، وحتى يوازن رأيه أكمل النصيحة بضرورة حماية الطبقات ذات الدخل المحدود من آثار رفع أسعار الطاقة بأساليب توصل لهم الدعم وتحميهم من التضخم الذي سينتج عن رفع أسعار الطاقة وحجة الصندوق بهذه النصيحة هي خفض الاستهلاك الكبير والمتنامي لاستهلاك الطاقة محلياً مما سيؤثر على كميات النفط المصدرة مستقبلاً بانخفاضها، وهذا بدوره سيقلص حجم الإيرادات السنوية لخزينة الدولة التي تعتمد على عوائد تصدير النفط بنسبة 90 بالمئة ونظرياً تُعد النصيحة مقبولة اقتصادياً، لكنها ليست صحيحة أيضاً لأن رفع أسعار الطاقة ليس حلاً سحرياً لخفض الاستهلاك، بل قد ينتج عنه عواقب سلبية عديدة ومتشعبة بالمدى المنظور. فرفع أسعار الطاقة أو الدعم عموماً وصفة طالما قدمها الصندوق لكل الدول دون الغوص بتفاصيل كل اقتصاد ومقوماته، فنحن لا نعاني عجزاً مالياً حتى نقلص الدعم بهذا التوقيت المهم لاقتصادنا من حيث دعم محفزات النمو فيه بل يجب اتخاذ إجراءات عديدة تمكن من رفع كفاءة الاستخدام والترشيد للاستهلاك بنفس الوقت، فهل علم الصندوق عن ضعف قطاع النقل العام والمدرسي لدينا وهل دخل بتفاصيل حجم الاستهلاك الضار للأجهزة الكهربائية القديمة خصوصاً التكييف وأن تغييرها لأجهزة حديثة التقنية سيخفض الاستهلاك الناتج عن التكييف 20 بالمئة وهو العامل الأبرز باستهلاك الكهرباء بالمملكة، وهل دخل الصندوق بتفاصيل مكونات الإنتاج الصناعي لدينا وتكاليف الطاقة فيه وهل يعلم أن تعرفة الكهرباء تغيرت ارتفاعاً للقطاع الصناعي والتجاري منذ سنوات. المملكة تملك إمكانيات اقتصادية كبيرة وتسير بخطة تنمية تواجه بتنفيذها تحديات عديدة أبرزها تحجيم التضخم فإذا قامت برفع أسعار الطاقة فإن ذلك يتنافى مع خططها التنموية ومكافحة التضخم الذي تواجهه بأساليب متعددة.. أما لو كان التركيز بتقرير الصندوق عن كيفية تطوير الأداء الاقتصادي برفع كفاءة استهلاك الطاقة والترشيد باستخدام وسائل وتقنيات عديدة والنظر بطريقة نمو السكان الناتج بجزء مهم منه عن الاستقدام المفرط للعمالة الأجنبية فإن ذلك يكون مقبولاً لكن على ما يبدو أن طبيعة الصندوق لم تتغير فلديه وصفات جاهزة خصوصاً للدول الناشئة يقدمها بمعزل عن طبيعة الاقتصاد واحتياجاته الآنية والمستقبلية.