الكثير ينظر لقطاع التجزئة على أنه الفرصة الحقيقة للسعودة نظرا لأن هناك أكثر من سبعمائة ألف وظيفة في هذا القطاع يشغلها غير سعوديين، حتى أن البعض اقترح أن يكون الحل في حكر هذا القطاع على الموظف السعودي وبذلك نكون انتهينا من المشكلة. رغم أن الفكرة صحيحة وجميلة نظرياً ورغم أننا نتمنى نجاحها إلا أنه يصعب تطبيقها عملياً وذلك لعدة أسباب، سأذكر أهمها. مهنة بائع مهنة تحتاج إلى مهارات وكل ما تمكن البائع من هذه المهارات كلما أبدع في عمله وزادت مبيعاته. وهذه المهارات عادة إما أن تكون بالممارسة أو بالتعليم والتدريب، ومن أهمها الثقة في النفس والطموح والاستماع الجيد والقدرة على الإقناع وأن يستطيع التحكم في مشاعره ويكون قادرا على بناء علاقات مع عملائه. وبدون هذه الصفات سيصبح هذا البائع عالة على محل التجزئة وسيسيء للمحل وسيتسبب في خسارة المحل لا محالة. معظم شبابنا لا يملك هذه المهارات ومن الصعب أن يتعلمها وذلك لأسباب اجتماعية وتربوية بالإضافة لعدم حصول الشباب على دورات تدريبيه لكسب مثل هذه المهارات، وفي المقابل فأن غير السعودي يسهل عليه اكتساب هذه المهارات حتى وإن لم يكن متعلما أو متدربا، لذلك فإن مهنة بائع تناسب غير السعودي ولكنها لا تناسب الشاب السعودي. هذا لا يعني أن الشاب السعودي أقل قدرة من غير السعودي، ولكن الفرق بين السعودي وغيره في مثل هذه المهنة، أن غير السعودي يعتبرها من أفضل الوظائف دخلاً أما السعودي فيعتبرها من أقل الوظائف دخلاً كما أنه يعتبرها وظيفة متواضعة جداً، لذلك تجد أن الشاب السعودي مع إحساسه بأن هذه الوظيفة متواضعة فإنه يفقد أهم وأول مهارات النجاح فيها وهي الثقة في النفس، ولسان حاله يقول كيف أنا فلان ولد فلان أعمل في مثل هذه الوظيفة وكيف لو رآني أقربائي وماذا لو أردت الزواج هل سيقبلون ببائع. وهذا الإحساس أيضاً يقضي على جميع المهارات الأخرى وبذلك نجد الشاب في هذه الوظيفة غير مبال وغير ملتزم ولا يرغب بها مهما ارتفع راتبها. الفرق الثاني بين السعودي والأجنبي، أن الأجنبي منذ صغره وهو متربٍ على العمل ومساعدة أهله إما في عمل المنزل أو العمل خارج المنزل بعبارة أخرى (أتمرمط) مما جعله يكتسب خبرة في خدمة الناس والتعامل معهم والتحكم في مشاعره معهم وكسب رضاهم مقابل كسب قوت يومه، أما الشاب السعودي، فالكثير منهم وبسبب طفرة النفط، أصبحوا مخدومين محشومين من قبل والديهم إلى أن تصبح أعمارهم في العشرين وبالتالي يصعب تربيته على اكتساب مهارات جديدة غير التي تربى عليها، وهذا يؤدي إلى شجار مع أول زبون غاضب من الخدمة أو مطالب بخدمة أفضل. قطاع الذهب والمجوهرات أحد الأمثلة على فشل شبابنا في قطاع التجزئة، قطاع المطاعم مثال آخر، البعض يخالف هذا الرأي ويقول بعكسه ويقدم اقتراحات أعتقد أنها رغم أهميتها إلا أنها ليست جذرية ومنها تعديل ساعات العمل ورفع الرواتب. عدم قبول الشاب السعودي لهذه المهنة أو غيرها من المهن مشكلة ويجب حلها لا أن نستسلم لها، فالحل الأمثل أن يتم سعودة هذا القطاع لمستقبل أفضل، ولكن كيف؟ يجب أولاً أن نعترف بفشل معظم الشباب السعودي في هذا المجال ومن ثم البحث عن أسباب الفشل ومن ثم وضع حلول، أما إنكار الواقع كما يحدث الآن وإن كان إعلامياً فقط، فإنه لن يحل المشكلة. الحلول تكون بالتوعية والتعليم والتدريب والأهم التربية، فالحكومة قادرة على توعية المجتمع وقادرة على توفير تعليم جيد لكنها لا تستطيع إجبار الناس على إكمال تعليمهم، الحكومة قادرة على إجبار القطاع الخاص على سعودة الوظائف ولكنها غير قادرة على إجبار الشاب على الاستمرار أو الإبداع أو الالتزام بوظيفته. @BawardiK www.bawardik.com