جاء في الأثر الشريف عن المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم) قوله: (إن الله قد أذهب عنكم حمية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما الإنسان مؤمن تقي أو فاجر شقي)، وفي الصحيح عنه- صلى الله عليه وسلم- (أربع في أمتي من أمر الجاهلية الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة على الميت والاستسقاء بالنجوم).. ولا شك أن ما نلاحظه أخيراً من التفاخر والتأليف والكتابة المسهبة في الأنساب والتعصب للأصول والفروع والأطراف والتمادي في الحديث عن ذلك كما يفعل بعضهم، كل ذلك يشق أكثر مما يرتق ويؤجج ويهيج أكثر مما يفيد ويبهج، وهو بصريح وبليغ ومختصر العبارة يوسع الهوة بين طبقات المجتمع المتآلفة المتحابة، ويشحن النفوس ويجعل سبل الترابط فيما بينها غير سالكة وتراها لأدنى هفوة تعلن البغضاء وتشهر التنافر فيما بينها ولا نقول العداوة.. ولو التفتنا إلى بعض نواحي مجتمعنا لوجدنا رغم الصحوة أو لنقل اليقظة الإسلامية الواعية وانتشار وسائل ومجالات التوعية لوجدنا بعض هذه الأمور التي حذرنا الرسول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- منها موجودة بين ظهرانينا وحوالينا، ولم يتطرق إليها وإلى معالجتها الكتاب الإسلامي، وكذلك الشريط الإسلامي وكأنها أمور مقدسة لا يجب التطرق إليها وكشف أضرارها وتبعاتها رغم أن السكوت عنها وتركها كيفما اتفق ربما يؤدي إلى التأثير على تماسك المجتمع أو ربما تخلق التنافر بين أفراده، هذا على الرغم بأنه إذا جاء الحديث والكتابة عن مجتمعنا قلنا إنه مجتمع مثالي فريد ليس له ند ولا نظير في المعمورة طرا ونحسبه كذلك إن شاء الله.. ولكن أرأيتم معي أحدهم على سبيل المثال وهو من علية القوم وأكابرهم في عرف المجتمع المنعكس المفاهيم والجامع بين النقيضين يتزوج من الفلبين أو الهند ومن بلاد الغجر والنور خارج الحدود أو من أي بلد أوروبي فضلاً عن البلاد العربية هنا تزف له التحايا وتقدم له الهدايا، وتغمره التبريكات من أهله وأقاربه وعموم معارفه دون سؤال عن ملة أو نحلة أو أصل أو فصل أو حتى فصيلة دم هذه القادمة الجديدة أو الشهادة الصحية لها، ولكن وما أقسى لكن في مثل هذا المقام عندما يتزوج من بنت جاره أو صديقه أو زميله أو يزوجها أحد أبنائه وهي مؤهلة بالصلاح والفلاح والعفاف والشرف، هنا في هذه الحالة تغمزه النظرات وتلذعه الكلمات وتلحقه الإهانات والتساؤلات والهمسات ويطوّقه الجفاء والمجافاة ليس لأي سبب جوهري أو حتى عادي، بل بسبب تافه حقير ألا وهو أن بنت جاره من أسرة غير معروفة لديهم، أو ليست من قبيلة مشهورة في عرفهم، وكما قلنا سابقاً ونقول لاحقاً أين دور الدعاة ورجال العلم وخطباء الجمعة وغيرهم من رواد الإصلاح عن معالجة وتصحيح هذه العادات السيئة المقيتة التي تنخر في جسم المجتمع فتجعله مهلهلاً مفككاً عرضة للعطب والتنافر والتباغض بما يتنافى مع تعاليم الإسلام السمحة التي تحث على المحبة والتعاون والتلاحم والبعد عن الأثرة والتفرّق والشحناء، وباختصار القول: فهي مع التسامح وضد التعصب لأن التسامح والتعصب ضدان لا يجتمعان، بل يتنافران فهما كالنور والظلام والخير والشر والعدل والظلم.. لذا يجب أن ننمي التسامح في حياتنا ونتعهده بالسقيا ونزيل الفوارق التي ليست على تقوى وإيمان، ونوطد المحبة والوحدة والتعاون لنعيش حياة سعيدة مأمونة العواقب حمية النهاية. ونختم بهذه الكلمات الصادقة النابعة من القلب ونزاهة القصد والتوجه إلى الأصلح بتوفيق الله بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في أحد كتبه (لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلاً لا على ولد نبي ولا على أبي نبي وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم وإذا ذكر صنفاً وأثنى عليهم فلما فيهم من الإيمان والعمل لا لمجرد النسب) صدق - رحمه الله - ولكن هل من معتبر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. إضاءة: العلم يرفع بيتاً لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف ليس الفتى من يقول كان أبي إن الفتى من يقول ها أنا ذا abo.bassam@windows live.com الرياض- كاتب صحفي ومدير عام تعليم سابق