الوسط الشرعي ليس خارجاً عن بقية الأوساط في المجتمع السعودي، مهما كان هذا الوسط أولى بالبعد عن نقائصه البشرية؛ لأن المنتمين إليه بشر من البشر. وهذا الإسلام وهو أقوى الأديان وأتمها وأكملها، لم يخلّص جميع أتباعه من الجيل الأول من كل مظاهر العصبية القبلية والمناطقية وغيرها من العصبيات، فما بالك بمن بعدهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أَربَعٌ في أُمَّتِي من أَمْرِ الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، وَالطَّعْنُ في الأنساب، وَالاستسقاء بالنجوم، والنياحة». وقد رأيتُ من أمراض المناطقية شيئاً عجيباً، لم تصل حدَّ عدم القدرة على التعايش معها، لكنها وصلت في بعض الأحيان حدّاً مزعجاً، خصوصاً إذا صدرت من الشرعيين. ولا ينكرها بالكلية أو يخفّفها دون حجمها الحقيقي؛ إلا واحدٌ من خمسة: (1) إما من لا يخالط الناس ولا يعرف الواقع، (2) أو من يظن أن إنكارها سيُسهم في إماتتها، خوفًا منه على اللحمة الوطنية، وهذا خطأ؛ لأن الأمراض لا تُعالج بالسكوت عنها، (3) أو منتفعٌ بها، فهو لا يريد زوالها، بل يودّ لها أن تشتدّ، (4) أو غارقٌ فيها إلى رأسه، فهو لا يرى فيها إلا إقامةَ الحق والعدل، بانتقاص قومٍ ورَفْعِ آخرين، (5) أو من لا أعرف سبباً لإنكاره لها! ولا بدّ من حرب هذه المناطقية؛ لأنها معنى جاهلي، ليست من الإسلام في شيء؛ ولأنها تهدّد وحدة الوطن، كما تهدده الطائفية، إذا اشتعلت فتنتها؛ ولأنها ورقة رابحة في يد أصحاب التخريب وإثارة الفتن في الداخل والخارج، إذا ما استطاعوا إشعال فتيلها، ولن يستطيعوا بإذن الله تعالى، ما دمنا نحتكم إلى الشرع الحنيف، تحت قيادة تحارب مثل هذه المعاني الجاهلية.