يبدو أن لائحة الأندية الأدبية في نسختها الثانية التي لن نحدد صفتها إن كانت تجديدية أو تعديلية أو استدراكية أو تصلحية إلا بعد مقارنتها بالنسخة الأولى، وحتى ذلك الوقت فسيكون حديثي في ظل ما نّشر من ضوابط وبنود اللائحة الجديدة التي نُشرت في العدد السابق للثقافية واللجنة المسؤولة عن تعديلها. أولاً: ما لفت انتباهي في اللائحة الجديدة هو «ضوابط الاكتتاب في الجمعيات العمومية للأندية الأدبية» فإني أراها أقرب إلى مقولة» «إذا ضاقت الرؤية توسعت العبارة» فليس كل توسع محمود ويحمي من الانزلاق في مشكلة الإقصاء أو سوء الاختيار فقد يؤدي التوسع في الاختيار إلى متاهة بدلا من تحقيق الفاعلية كما أن التوسع قد يقلل من التحكم في تطبيق آليتي الكفاءة والكفاية. كما أخشى من التوسع في ضابط الاختيار أن يؤدي إلى «الطرد» بدلا من الجذب وتفقد الجمعيات العمومية شرعيتها بالتقليل مما يعيدنا إلى زمن العدد عشرة في الجمعيات العمومية،وهنا المعادلة الصعبة الجمع بين «جودة الكيف وقيمة الكم»، ولا شك أن اللجنة انتبهت إلى هذا الأمر، أي المحافظة على سقف شرعية الجمعيات العمومية من خلال «عدد معين ثابت» ضامن لشرعيتها. أما فكرة وجود «منسق لأعضاء الجمعية العمومية» فهي فكرة جميلة لكني أخشى عليها أن تُصبح «قابلة للتصرف» فتذهب إلى رئيس مجلس الإدارة أو أحد أعضاء المجلس في حالة لم يتفق أعضاء الجمعية على اختيار أحدهم»، أو اتفق أعضاء الجمعية على ترحيلها لأحد أعضاء مجلس الإدارة. وقد نقرأ في تفاصيل اللائحة حدود مأمونة لهذا الأمر. ثانيا: أريد أن أؤكد على تقديرنا لأعضاء لجنة إعادة بناء اللائحة في نسختها الثانية، وإن كان ذلك التقدير لا يمنعنا من شرعية السؤالين الآتيين وهما؛ علام اعتمدت الوزارة في اختيار أعضاء هذه اللجنة؟ فمن حقنا أن نعرف الشروط التي ضبطت اختيار أعضاء اللجنة؛لأن الاطمئنان للضابط والاتفاق عليه من الجميع هو ضامن لحصانة اللائحة الجديدة، والسؤال الآخر ما هو سبب السرية التي أحاطت بأسماء أعضائها؟ ولا أظن أن تلك السرية سببها كما صرح المدير العام لإدارة الأندية الأدبية الأستاذ حسين بافقيه حتى لا يتأثر الأعضاء بأفكار غيرهم، ومسوغ السرية هاهنا هو مجال للشك في قدرة الأعضاء على التمكن من الالتزام بالحصانة الموضوعية في ظل الضجيج التفكيري الذي يدول حول اللائحة. «إن من يصنع المشكلة لا يمكن أن يصنع لها حلا»؛ما أقصده هو أن اللائحة في نسختها الأولى هي من صناعة رؤساء الأندية الأدبية الذين كانوا على رأس العمل الأدبي ووثلة من الأدباء التابعين للوزارة ومع ذلك تعثرت اللائحة بثغرات أوقعت في الخلل مع سوء الفهم والتطبيق وغياب ضابط الاحتراز. لذلك أعتقد أن مشاركة أي رئيس نادي أدبي قديم أو جديد أو أي عضو من أعضاء الجمعيات العمومية في الأندية الأدبية في لجنة إعادة إنتاج النسخة الثانية للائحة هو مثير للشك في بطلان اللائحة،لأن المفروض أن تكون اللجنة محايدة خارج مظلة الانتفاع سواء كرئيس أو عضو جمعية عمومية ،على العموم « نحن لا نبكي على اللبن المسكوب». وأنا متأكدة أن أعضاء اللجنة قد عملوا بجهد واجتهاد لإخراج اللائحة المعدّلة خالية من الثغرات مًحصنة ضد أي تلاعب أو سوء نية التطبيق،فالشكر الجزيل لجهودهم. لكن هذا الأمر لا يعطي اللائحة المعدلة شرعيتها،فالشرعية هاهنا لا تٌستمد من الوصاية الفئوية إنما من شرعية الاتفاق الجمعي،مهما بلغت تلك الفئوية من فقهية ثقافية. ولذلك أتمنى أن لا تقع اللائحة المعدّلة في صراع بين وصاية الفئوية وشريعية الاتفاق الجمعي. وحتى نتفادى ذلك الصراع وتكتمل شرعية اللائحة لابد أن تُطرح للاستفتاء من قبل المثقفين والأدباء. وطرحها ليس فيه انتقاص للجنة التي عدّلت اللائحة، وإن اعتبرت اللجنة طرح اللائحة المعدلة للاستفتاء على بنودها فيه انتقاص لجهودها، فهي بذلك سقطت في فخ»تقديس المنجز» فليس هناك عمل خالِ من العيوب، فوهم الكمال يسقط في دكتاتورية الرأي، وحتى نتفادى ما وقع في اللائحة القديمة. ولذا استبشرت خيرا بتصريح بافقيه بأن اللائحة المعدّلة سوف تطرح للاستفتاء للقبول والتقويم. إضافة إلى أن الاستفتاء على اللائحة المعدلة يضمن شرعيتها فيما بعد فهو أيضا يستشرف الثغرات الخفية التي قد تكون حاصل إضافة بنود، وحصول أي ثغرات ثانوية وهو ما يّسبّق بالخطة الوقائية قبل العلاجية ، فالاستفتاء دوما هو معادل للإجراء الوقائي وكسر لحاجز توهم الوصاية والتقديس الفئوي. كما أن الاستفتاء يُفعل إيجابية المفاعلة والمشاركة لكل مثقف وأديب وتلك المشاركة بلاشك سترفع غطاء السلبية التي اعتدنا عليها من قبل المثقفين،كما أن الاستفتاء سيقرب اللائحة من الحديث الثقافي والتفاعل معها وهو ما قد ينعكس على مشاركة رسمية من خلالها لأنه جزء منها. فهناك حتى اليوم الكثير من المثقفين والمنتمين إلى الجمعيات العمومية للأندية الأدبية لم يطلعوا على اللائحة القديمة. كما أن لائحة متحكمة في تجربة ديمقراطية يجب أن لا يتحكم فيها «فئة» مهما بلغت من حكمة ثقافية، ولا تفرض شرعيتها من خلالهم إنما شرعيتها من خلال الاتفاق الجمعي والقبول المشترك وغير ذلك ستظل «اللائحة ذات شرعية ناقصة»؛ لذلك أتمنى من وزير الثقافة الدكتور عبدالعزيز خوجة أن يطرح اللائحة لاستفتاء من قبل المثقفين والأدباء لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاثة أشهر. [email protected] جدة