كثيراً ما تطرقت في مقالات «لما هو آت» للنشء، هذا القلق الذي يعتريني ليل نهار، ولا يفتأ يراودني كلما شدا عصفور، وانطلق صاروخ.. النشء هم المستقبل، هذا الذي يميد بالأحلام، ويطوف بمركبتها كل البحور.. النشء من البشر، وتحديدا في أمتنا هم مسلمو المستقبل ..!! من يعّول عليهم أمرٌ بالغ الأهمية، لا يخفى على المتمعنين في سيرورة الواقع، المبحرون قراءةً في استشرافات ما بعده، من حيث كل عنوان توضع تحته خطوط عريضة: عقيدته بوصفه مسلما، دوره في الإنجاز البشري، مكانته في صفوف التقدم، انتشاره أو انحسار قدميه..؟ من الموضوعات الأكثر إلحاحا علي، عن هذا النشء هي حاجته للقدوة، والقدوة التي ركزت عليها هي شخص رسول الله محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة، وأكرم التسليم، وعلى آل بيته، وخلفائه، وصحابته، والتابعين، ... أولئك الذين يأتون بالتدريج في قائمة القدوة رضي الله عنهم: «كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»... ومن ثم، فتنشئة النشء على هذه القدوة تضمن العقيدة، وصحتها، والإيمان، وتمامه، والخلق، وقيمه, والسلوك، ونقاءه، ومن ثم سلام، وسلم الحياة به، ثم نتائج معاشه في ضوء نصاعة منشأه، ونور مسراه... ولعل تزكية مصادر تعليمه، وإثراء خبراته في مجال دينه، وحياته تتطلب تمكينه من ثقافة معرفية شاملة، لا تأخذ من الحضارة الحديثة شكلها فقط، بل تغوص في منجزاتها بالغة الدقة، والإفادة، ولعل في تمكين التعليم، والإعلام، والترفيه، والأنشطة، والتعامل مع صناعة العصر، ما يجعل النشء متوائما باعتدال، وثقة مع الواقع، ومع متغيراته، ومع مفهوم واضح عن الاندماج بالكون، ومن ثم التفاعل الخلاق حذوا فكريا معه، وممارسة.. هذا طموح بالغ البعد، كلما تفكرتُ في إعادة الكثير من صياغات التعليم، وأساليب التربية، ومضخات المعلومات، وسبل التواصل، وهجمات الواقع التجاري، والمعلوماتي على هؤلاء النشء، زادت الحيرة، وتفاقم القلق، واشتد الدعاء.. وقد أشركتكم في كثير من هذا.. ولعل من أول المنطلقات لهذا الناشئ، هو الاحتواء الواعي لوجدانه، وعقله.. من ضمن هذا التفكر في أساليب تربوية، وتعليمية، ووسائل تمكن وجدانه من الانتماء لدينه، وأمته، وقضاياهما الأساس، وكذلك تمد عقله بالمعرفة المواكبة لما يدور في العالم، من خلال النماذج التي تنبعث حية ناطقة في مجتمعات المعرفة الكونية، وخير مثال على هذا ما نشرته الصحف في عددها أمس الأول عن أول تجربة في الفضاء، تقدم دروسا علمية لطلاب المدارس المتوسطة، والابتدائية من المدار، في أحد أهم الاختبارات التي تجريها مركبة فضائية في المدار، إذ كما أشار الخبر إلى أن المركبة الصينية الفضائية المأهولة «شنتشو-10 « التي التحمت يوم الخميس الماضي مع وحدة مختبر الفضاء «تيانقونغ-1» في المدار، أنها ستمكث في الفضاء خمسة عشر يوما، وتقوم باختبارين للالتحام، مرة أوتوماتيكيا، وأخرى يدويا مع وحدة المختبر نفسه، وإنها بالإضافة إلى الاختبارات الطبية، والتقنية سيعطي رواد الفضاء فيها هذه الدروس للمرة الأولى للطلاب الصينيين في المدارس المتوسطة، والابتدائية..! على أهمية الخبر هذا، فقد نشر ضمن الأخبار الدولية ولم يتم التركيز عليه.. هي خطوة متقدمة للغاية ..، وبالتأكيد ستلحقها خطوات أوسع، ومنجزات أكثر قربا لواقع ما تنتهجه دول مثل الصين لنقل، ونشر المعرفة، والثقافة العلمية للنشء في بلادهم،.. بمثل ما أشرت في مقال سابق إلى تجربة اليابان بالتخلص من آخر كتاب مقرر دراسي ورقي، يوم تم إدخال تقنية الحاسب، والفضاء الإلكتروني في التعليم لديهم في المراحل الأولى الدراسية.. فما الذي نصنعه للنشء في بلاد العرب ..؟!! وتحديدا هنا، حيث يخصنا الأمر، في خطوات نأمل أن تقتدي بما هو مفيد، وميسر، ومعين للقفز بعقول، ووجدان النشء من حضيض التقليد، وشتات الطريق..، والفراغ المعرفي.. ** بهذا المقال اليوم، أختم معكم رحلة عام من الإفضاء .. أحمِّلكم أمانة صدق الحرف، وأبعاد مداراته، ودلالاته، ورموزه، ووضوحه، وإلماحاته.. وأحملُ لكم الامتنان، ..وأملأ زوادة رحلتي بكثير من عبق ما أشعتموه من كريم تجاوبكم، وجميل وعيكم.. فكل زهرة في شجر القلم، هي لكم خالصة، ولله من قبل ومن بعد.. حتى ألتقيكم قرائي الأعزاء بارك الله لكم في رمضان، وأعاده عليكم بجوائز قبول، وفرح. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855