ذات صباح بإحدى الدول استيقظت مبكراً، وكان أخي ما يزال نائماً، فحدثتني نفسي بالخروج بدونه، فهذا الصباح الجميل الذي يلتحف شوارعه الضباب يشجع على كسر حاجز الخوف والرهبة ويحفز على المغامرة.. وأنا بالأصل شغوفة بالخروج عن النمطية، أحياناً أجد في نفسي نشاطاً لذلك وإقداماً، خرجت أمشط ذلك الرصيف الممتد وأنظر لجمال صنع الله في كل شيء، فرأيت إحدى النساء مسرعة يبدو أنها تريد إدراك عملها فعلق كعبها في فتحة المجاري وأخذت تخرجه وهي تضحك، فتخيلت لو أنّ هذا حصل لإحدى النساء عندنا كم من الإحراج والهم الذي سيعتريها، وكم من الكبر الذي سيركب رأسها، أن لا ينظر لها أحد أو يسخر منها! واصلت المشي وأنا أذكر نفسي بالعودة مبكراً قبل أن يستيقظ أخي، ولكن كان الجو يحفزني على المواصلة ولاطمئناني بمعرفتي باللغة التي أحتاج في حالة الضياع. مر شاب أشقر مفتول العضلات يركض في الاتجاه المعاكس لسيري وغمز بعينه، فقلت في نفسي تباً: كنت أعتقد أنّ الغمز من اختصاص «ربعنا» فإذا لا فرق بيننا وبينهم، ترى ماذا كان يقصد من ذلك وأنا ارتدي الحجاب وغيري من الحسناوات يتراكضن مكشوفات الشعر والساق! هل هو ما يضيفه الحجاب من الجمال؟ لا علينا واصلت وفضول العرب كلهم قد تسلل إليّ بمزيد من النظر هنا وهناك واكتشاف عادات الناس بهذا البلد. حتى أدركت أني قد ابتعدت وفجأة مثلت أمامي صورة أخي وقد استيقظ فلم يجدني فامتلأ رعباً كما هو الطبع عندنا في تضخيم الأمور وإرجاعها فوراً لأسوأ الأحوال! فعدت مسرعة والخوف يتضاعف بي وصورة عين أخي الحمراء من طوال النوم تزيدني ارتباكاً، فكأني بالطريق قد طال وكأن الفندق على بعد كذا وكذا، سبحان الله كيف قلب حالي وتضاءلت الشجاعة في نفسي واستبدلت عيني رؤية الأشياء عن حقيقتها، فعدت وأنا بالكاد ألتقط نفسي ودخلت مسرعة أنظر يمنة ويسرة فإذا بي أسمع شخيره، الحمد لله وفي أمانه.