- الرأي - إبراهيم القصادي - جازان : التربوية والأديبة والإعلامية متعددة المواهب والعطاءات الأستاذة خلود بنت إبراهيم النبهان، اكتملت مسيرتها المهنية بدرًا حتى أضاءت الآفاق ، بفصل الخطاب وأصل الجواب في مسيرة مباركة تجللت بدواعي «المهنية» وتكللت بمساعي «الوطنية». اتخذت من «التواضع» مكاناً قصيًا مبتعدة عن «ضياء» الشهرة ، معتمدة على سطوع حاضر وإشعاع ناضر ملأ الزمان والمكان بأناقة الحضور وبلاغة الخطاب. إنها أحد أبرز الإعلاميات في وقتنا الحاضر.. فلنتعرف عليها عن قرب في هذا الحوار الممتع. س١/ من هي خلود النبهان؟ في البداية، أود أن أعبر عن بالغ امتناني وشكري لصحيفة الرأي على إتاحة الفرصة لي للحديث في هذا الفضاء الإعلامي المتميز. خلود إبراهيم النبهان، ابنة مدينة الشقيق التابعة لمحافظة الدرب ، تشكّلت ملامح طفولتي في بيتٍ عامرٍ بالعلم والمعرفة. نشأت في كنف أبٍ كان معلمًا عظيمًا، يحمل شعلة العلم بحب وإخلاص، وأمٍ مديرة لمدرسة ابتدائية ومتوسطة لتحفيظ القرآن الكريم بالشقيق، كانت لها مكتبة زاخرة، تُقدِّم لطفلتها عالمًا واسعًا من الحكايات والكتب. كبرتُ بين دفّتي كتاب، استلهم من أبي فنون التعليم، ومن أمي شغف المعرفة، حتى أصبحت معلمة تخطو في مسيرتها بثبات، تزرع في قلوب طالباتها حبّ اللغة والأدب، عاشقةٌ للكلمة، متذوقةٌ للبلاغة، محبةٌ للحوار، مؤمنةٌ بأن القلم هو صوت الروح الذي لا يخفت. منذ طفولتي، بدأت شغفي بالعلم والأدب، فكان الكتاب هو رفيقي الدائم، وكانت أمي هي من غرست فيّ حب القراءة، بينما كان أبي مصدرًا لا ينضب من الحكمة والتعليم. في مراحل دراستي، كنت أستلهم من معلماتي المواقف التي أصبحت أسسًا في حياتي المهنية اليوم. بدأت رحلتي في التعليم كطالبة، مرورًا بأيام دراستي في المدرسة، ثم تطورت إلى معلمة تحمل الأمانة وتستشعر مسؤولية تشكيل عقول الأجيال القادمة. وعندما دخلت ساحة التعليم، وجدت أن الطريق الذي بدأته منذ طفولتي مع الكتب والمكتبات هو نفسه الطريق الذي يقودني إلى الأجيال الشابة. عملي كمعلمة لم يكن مجرد مهنة، بل هو استكمالٌ لما نشأت عليه من حب للعلم وشغف بالمعرفة. اليوم، أجد نفسي محاطةً بأدوات الفكر والتوجيه، أزرع الأمل في قلوب طالباتي، وأسعى جادةً إلى تزويدهنّ بكل ما يثري عقولهنّ ويجعل منهنّ قادرات على التأثير في المجتمع بكل قوة وثقة وحين انتقلت إلى مدينة جازان ، وجدت فيها بيئة تفتح أمامي أبوابًا جديدة من العلم والتعلم، مما عمّق شغفي بالمزيد من المعرفة.،لم تقتصر رحلتي على مجال التعليم فحسب، بل عشقت الكتابة، فبدأت أكتب النصوص الأدبية، وجدت فيها متعة لا توصف. ومع مرور الوقت، تطور هذا الشغف، وبدأت أكتب بموضوعات أعمق، تلامس المجتمع وتعكس ما يعتمل في صدورنا. ومن هنا، انتقلت تدريجيًا إلى عالم الصحافة، حيث أصبحت محررة صحفية، الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد مهنة، بل هي وسيلة للتعبير عن الذات، وتوثيق اللحظات التي تعكس حياة الناس.. س٢/ بما أننا نعيش أجواء وروحانية رمضان؛ كيف كانت أجواء رمضان في طفولتك؟ وما هي التقاليد الأسرية قديمًا؟ رمضان في القرية كان أكثر من مجرد شهر، كان موسمًا ممتدًا من الروحانية والدفء العائلي. في زمن الطيبين، كان الفانوس يضيء برؤوسه الصغيرة وكأنها نجوم تتراقص في السماء المظلمة. ، ورائحة الطعام تعبق في الأجواء، خصوصًا رائحة السُفَر المتنوعة التي تبعث على الشوق. كانت البيوت تفتح أبوابها على مصراعيها، والجيران يتبادلون الزيارات والتبريكات. والأطفال ينتظرون صوت مؤذن الجامع وكأنه إعلانٌ عن لحظة فرح. كان السحور يحمل نكهة الحنين، حيث تتعالى أصوات الأمهات وهن يوقظن أبناءهن برفق، وتتردّد في الأجواء تسابيح الليل. التقاليد الأسرية كانت بسيطة، لكنها غنية بكل معاني الوفاء والمودة. كان الجميع يجتمعون حول مائدة واحدة، لا يتخلف عن هذه اللحظات أحد، وإذا حدث ذلك، كان التفاعل يظل في القلب. ما كان يغيره الزمن هو العائلة، وكانت تلك الاجتماعات تشكل رابطة لا تنكسر، يتخللها الهدوء والسكينة. كانت القيم الجميلة التي تربينا عليها تظل حية في كل مناسبة من تلك المناسبات، وهي التي جعلت من رمضان في تلك الأيام لحظة لا تُنسى، مليئة بالتضامن والمحبة، لا تحتاج إلى الكثير من الرفاهيات لتكون أجمل وأثمن . س٣/ رمضان مليء بالمواقف الطريفة؛ هل هناك موقف لا يزال عالقًا في ذاكرتك؟ ذات ليلة، وبينما كنت أرقص على دندنات أبي وهو يغني أثناء طلاء جدران منزلنا الشعبي قرب العيد ، لم أكن أعلم أن "رقصة الصعقة" ستكون جزءًا من ذكرياتي الرمضانية! فجأة، امتدّت يدي إلى سلك كهربائي مكشوف، فارتعش جسدي كأوراق الخريف، وأنا أرتجف بصمت. لم يكن أبي يشعر بما يحدث خلفه حتى دخل عمي ليجدني وأخي نرتعد، ليركض لإنقاذنا، فيما كان آخر ما سمعته قبل أن أفقد وعيي هو صرخة أبي المفزوعة. استيقظت في المستشفى ليلة العيد، وبدلًا من ارتداء فستان العيد، كنت أحتفل بنجاتي! والحمدلله. س٤/ متى بدأ شغفك بالصحافة؟ وكيف تطورت تجربتك الإعلامية عبر السنوات؟ الصحافة، تلك المدينة الناعمة، كانت دائمًا حلمًا مؤجّلًا حتى وجدت موطئ قدمي في عالمها. بدأت رحلتي عبر كتابة النصوص الأدبية في بعض الصحف الإلكترونية ، حيث شكلت الكلمات جسرًا بيني وبين القارئ. توقفت لفترة، لكن نداء الحرف كان أقوى، فعدتُ عبر صحيفة "الرأي"، التي احتضنت شغفي وصقلت مهاراتي كمحررة صحفية، حيث خضت تجارب ثرية بين التقارير والحوارات الصحفية التي منحَتني بُعدًا جديدًا في الكتابة. س٥/ كيف كان قبول الأسرة للظهور الإعلامي كأعلامية وكاتبة صحفية؟ الأسرة هي الحاضنة الأولى لكل موهبة، ولا يمكن لرحلة النجاح أن تُزهر دون جذور داعمة. كانت والدتي -حفظها الله- نموذجًا للإلهام، بثقافتها الواسعة ودعمها اللامحدود، أما أخوتي وأخواتي، فقد كانوا المرآة التي تعكس إيماني بقدرتي على النجاح. صديقتي المقربة أيضًا كانت رفيقة الحلم، تساندني في كل خطوة. كان ظهوري الإعلامي امتدادًا لقيمٍ زرعها والدي رحمه الله، بأن العلم والتميز لا يعرفان حدودًا، بل هما رسالة يجب إيصالها إلى العالم. س٦/ نصيحة منك لكل من يريد الدخول إلى عالم الإعلام؟ الإعلام ليس مجرد منصة للظهور، بل مسؤولية تُحتم على صاحبها أن يكون واعيًا بأثر كلماته. لمن يريد الدخول إلى هذا العالم، عليك أن تمتلك المعرفة قبل أن تمتلك الصوت، أن تكون لديك رسالة، أن تُحسن الاستماع قبل أن تُحسن الحديث. لا تُسابق الشهرة، بل اجعل الجودة هي من توصلك إلى حيث تستحق. س٧/ ماهي قراءتُكِ للمجال الصحافي الراهن؟ الصحافة اليوم تواجه تحولات جوهرية بين التحديات الرقمية، والسرعة التي تهدد عمق المحتوى. رغم ذلك، يبقى الصحافي الحقيقي هو من يحافظ على جوهر المهنة، بالبحث الدقيق، والطرح الواعي، والالتزام بأخلاقيات المهنة، بعيدًا عن الضوضاء الإعلامية التي أفرزتها منصات التواصل. في زمن تدفّق المعلومات، الصحافة الحقيقية هي تلك التي تنتقي وتوثّق وتطرح بأسلوب مهني رصين. س٨/ أين تجد الأستاذة خلود النبهان راحتها النفسية؟ أجد راحتي حيث يسكن الإبداع، في الكتابة التي تنقلني إلى مساحات جديدة، في البحث عن الشخصيات الملهمة التي صنعت فرقًا في الحياة. أجدها في حروف اللغة العربية التي تنبض بالجمال، وفي توثيق التراث الذي يشكّل هويتنا. أجدها أيضًا في التسكع بين ضفاف الكتب، حيث تمتد الصفحات جسورًا إلى عالم الفكر والمعرفة. الوطن والتراث والأدب هي أركان الراحة التي تسكن روحي. س٩/ ماذا يمكن أن تقولي لأعداء النجاح؟ الفضاء يتّسع للجميع، والشمس لا تحجبها ظلال الحاسدين. النجاح لا يُعرقل إلا من يخشى المحاولة، أما من يواصل المسير بثبات، فلا وقت لديه للالتفات إلى من يحاول إطفاء نوره. س١٠/ بعض مستخدمي مواقع التواصل يمنحون الشهرة لأشخاص لا يستحقونها ماذا تقول الأستاذة خلود النبهان في ذلك؟ في زمن مواقع التواصل، الشهرة لم تعد مقياسًا للإنجاز، بل أصبحت مرهونة بالضجيج الرقمي. هناك من يُقدّم محتوى يستحق المتابعة، وهناك من يركب موجة التريند بلا مضمون. علينا أن نكون واعين، نمنح التقدير لمن يستحق، ونُدرك أن الأضواء لا تعني دائمًا التميّز. س١١/ برأيك هل نستطيع تسمية مشاهير التواصل الاجتماعي بالإعلاميين؟ ليس بالضرورة، فالإعلام يتطلب مهاراتٍ تتجاوز الظهور والشهرة، فهو علمٌ وممارسةٌ ومسؤولية. بعض المشاهير لديهم تأثير، لكنهم ليسوا إعلاميين بالمعنى المهني، لأن الإعلامي هو من يمتلك أدوات التحليل، والبحث، والمصداقية. س١٢/ سؤال أخير من هي الشخصية التي أثرت في حياة الأستاذة خلود النبهان؟ من الناحية الأسرية، أبي -رحمه الله- الذي علّمني أن العلم رسالة، وأمي حفظها الله، التي غرست فيّ حب المعرفة. أما في التعليم، فكانت معلمتي فتحية عبدالرزاق نموذجًا يُلهمني حتى اليوم، بفصاحتها وبلاغتها وأسلوبها المميز. وكثير من الشخصيات التي التقيت بها مؤخرًا أضافت إليّ الكثير، فمنهم المدير الخلوق، مدير صحيفة الرأي، الأستاذ إبراهيم قصادي، الذي كان مثالًا للدعم والتحفيز، والفنان التشكيلي الأستاذ محمد الجديبا، المهتم بالتراث الثقافي والأصالة التهامية، والداعم لكل مرجع تراثي يخص منطقة جازان. كما لا أنسى الأستاذة القديرة خديجة ناجع، التي كانت خلف النجاح الكبير الذي وصلت إليه أدبيًا وإبداعيًا، والملهمة مديرتي القديرة سابقًا سلمى شباج، حفظها الله، التي تركت بصمة لا تُمحى في مسيرتي. كما كان للنادي الأدبي بجازان دور كبير في إثراء تجربتي الأدبية ، حيث من خلالها التقيت بعدد من الشخصيات المثقفة والمبدعة التي ساهمت في توسيع آفاقي وأثرت في مسيرتي بشكلٍ عميق. س١٣/ رسالة أخيرة لمن تريدين توجيهها؟ إلى سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظكما الله: تحت قيادتكما، تمضي المملكة بخطى واثقة نحو المستقبل، تجمع بين أصالة التاريخ ورؤية الطموح. كل إنجاز يتحقق على أرض هذا الوطن هو امتداد لحكمتكم ورؤيتكم الملهمة. نسأل الله أن يديم عزكما، ويحفظ وطننا شامخًا مزدهرًا. إلى طالباتي: أنتن النور القادم، حروفكنّ ستصنع فارقًا، وكلماتكنّ ستحمل أثرًا. لا تتوقفن عن الحلم، فالعالم يحتاج إلى أصواتكن. إلى كل قارئ: الكلمة مسؤولية، فليكن ما نقرأ ونكتب إضافة للحياة، نورًا لا تشويهًا، وبناءً لا هدمًا. إلى زملائي الصحفيين: أنتم حراس الحقيقة وصوت المجتمع، مسؤوليتكم عظيمة والكلمة في أيديكم أمانة. اجعلوا من أقلامكم منارات للوعي، وانقلوا الحقيقة بموضوعية ومهنية، فالإعلام ليس مجرد مهنة، بل رسالة تُصاغ بالحكمة والصدق والإبداع. إلى الوطن: ستبقى الحروف خجلى أمام ما تستحق، فكل جهد، وكل إنجاز، وكل نجاح، هو جزء من ردّ الجميل.