مات عمي عبد الرحمن ومن قبله أبي وأعمامي وعماتي، فالموت نهاية كل حي كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، وكل مخلوق سيبلى ويفنى ولن يبقى إلا الحي الذي لا يموت طال الزمان أم قصر، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، فالموت مع فاجعته سنّة الله في أرضه وقدر لا مناص منه. وصحيح أن فراق الأهل والأحبة خصوصاً ذوي المروءات والكرم ولين الجانب موجع مؤلم، وهم فقط الذين (يُفقدون)، وأما غيرهم فلا يُذكر غير اسمه عند فقده. فحديثي عن عمي عبد الرحمن بن سليمان الرومي أخو أبي - رحمهما الله - لن أسرده سرداً، لكني سأورده تفصيلاً بنقاط محددة حسبت أنها تصل من القلب إلى القلب، (والله من وراء القصد). لم أره في حياتي إلا مبتسماً ودوداً عف اللسان مازحاً. لم أره غاضباً أو صاخباً أو عالي الصوت، بل غاض الطرف متواضعاً. لم أسمع منه كلمة قاسية فضلاً عن نابية. أكثر أعمامي محبة للأطفال هو، والأطفال له كذلك. كان سخياً (بماله) بلا رياء يمد للأطفال مداً غير محسوب ولا معقول. كان حكيماً رزيناً (وأثرت عنه مقولة) لم أقاضِ ولم أخاصم أحداً في حياتي (وقصده أنه ينزل عند الضرورة إلى عقل ومستوى مقابله). كان ذا جد واجتهاد في عمله الموكل له مخلصاً وفياً ثقة. كان عف اليد انعكس ذلك (بنبات حسن وصلاح لأبنائه وذرياتهم). قابلت عدداً من المسؤولين في الدولة سواء من الأسرة الحاكمة أو غيرهم، يثنون عليه بما هو أهله (وكم استفدت حظوة عندهم بعمومته لي). كهول أهل الزلفي يسألونني كثيراً عنه محبة وتقديراً. قابلت كثيراً من الذين تعامل معهم في المال وجدته إما مسامحاً أو متنازلاً أو ممهلاً (وكانوا هم الأكثر سؤالاً لي عنه قبل الممات وبعده). يخفى على الكثير أنه كان محباً لأبي حنوناً عليه (حنان) الأخ الأكبر. وأخيراً: ربي إننا شهداؤك في أرضك، (فعمي) عبد الرحمن ولا نزكي عليك أحداً كما أسلفت، وقد صلى عليه وشيعه الناس من كل فج، فاغفر له برحمتك وتجاوز عنه بعدلك وقدرتك.