ما رأيت أجرأ من مجتمعنا في التعرض للناجحين والقدح في البارزين، فهذا داعية أحسبه من النوادر في الأمة سمعت من يتحدث عنه ويصفه بالقسوة مع زوجته والبخل مع أبنائه! وكأنما قد شاركهم العشرة واطلع على أسرارهم! تثني على كتاب قد نال حظوة عند الناس فيقول لك أحدهم: ولكن طباعته رديئة!! تُبدي إعجاباً بمتحدث حسن اللفظ، أنيق اللهجة فينطق حاسد: أما لاحظت أنه رفع منصوبا! تُبارك عملاً خيرا لأحد الأغنياء، فيصعب على السخيف السكوت فيقول: يارب أغننا بالحلال!! غمزا ولمزا في أمانته!! مهارات متقدمة في (تفكيك) الإنجازات وكفاءة عالية في (تشويه) الجمال!! وليس بالمستغرب أن يخوض أصحاب الهمم (الدنيئة) في أعراض الناجحين ويتحدثوا عنهم وكأنهم أصابوا دماً واجترحوا جناية فقد سبقوهم بإنجازاتهم وفضلهم وعلمهم ومواهبهم وأزعجتهم تلك المسافة التي بينهم، فيسعون لردم الفجوة بنشر الإشاعات وإثارة المشاكل وتشويه السمعة وهو أسلوب أقل ما يوصف بأنه (سافل)، وأصحاب النفوس الدنيئة لديهم مشكلة عويصة مع أنفسهم فهم مستحقون للشفقة لأنهم يكابدون صراعاً (نفسيا عنيفا) ففي قلوبهم (جروح قديمة) ما اعتنوا بتضميدها لذا هم يصدرونها للآخرين وهم يحملون شخصيات لاترى في ذاتها (أهلية) للمنافسة ولا (قدرة) على النجاح، فلا ذكر حسن لهم ولا سيرة عطرة يفتخرون بها ولا إنجازات تخلدهم، لذا كانت موهبتهم الأبرز هي الانتقاص والتقليل والحط من قدر الناجحين، ينشدون بها رفع ذواتهم الصغيرة، وتلك الوسيلة ربما تعطيهم تفوقاً (لحظياً) ولكن مآلهم الخسران في الدنيا والآخرة!! ولو أنهم أنفقوا ذلك الوقت الذي ضيعوه في التفتيش عن العيوب ونشر (قالة السوء) في الجد والاجتهاد والعمل لوصلوا إلى ما وصل إليه هؤلاء الناجحون لكنهم ألفوا القعود فمات إحساسهم ونبت في قلوبهم مرض يعز على الدواء و يعجز عنه المداوي. أيها العزيز ليس من المروءة ولا من كرم النفس ولا من علو الأخلاق أن نلوك الناس في أعراضهم بمجرد غيابهم وفي حال حضرتهم نجبن على النبس ببنت شفة فهذا والله طبع اللئام الخبثاء وذي حسدٍ يغتابني حين لايرى مكاني ويثني صالحاً حين أسمعُ ويضحكُ في وجهي إذا ما لقيته ويهمزني بالغيب سرًّا ويلسعُ وللأسف فإن الكثير من الناس في مجالسهم يفرحون بتنقص الناجحين وفي أسرع من ارتداد الطرف ولمح البصر ينقلون ما سمعوا من سوء في كل مجلس! وهم خشب مسندة إذا سمعوا ثناءً على أحد، وكم يثقل عليهم نقل هذا الثناء لأصحابه أو للآخرين، أعماهم الحسد وألجم ألسنتهم الحقد وسدت الغيرة القاتلة منافذ عقولهم! وأنت أيها الناجح يا صاحب الآثار الطيبة والبصمات المشرقة أثبت كالجبل الأشم وتذكر أن هؤلاء الصغار ما وجهوا إليك السهام إلا بعدما سبقتهم برتوات ولعلك تدرك أن أغلب من يبادرون بالتشكيك بقدراتك والغمز في شخصيتك هم من الذين لم يحققوا شيئاً في حياتهم!!، فاثبت ولا تستسلم لفيضان أحقادهم، يقول مصطفى أمين: إذا قمت بعمل ناجح وبدأ الناس يلقون عليك الحجارة فاعلم أنك وصلت بلاط المجد وأصبحت المدفعية تطلق إحدى وعشرين طلقة احتفاء بقدومك. ما يضير البحر أمسى زاخراً إن رمى فيه غلام بحجر وتأكد أنهم لن ينصرفوا عنك إلا حينما تبقى أسيرا لأحد أركان بيتك لاتتكلم ولا تكتب ولا تنتج ولا تعمل فذنبك الوحيد عندهم الذي لا يتغمده حلم، ولا تسعه مغفرة هو نجاحك!! وأذكرك بأن أجمل طريقة لإلجام هؤلاء أن تترك حبالهم تعود إليهم فتلتف على رقابهم فتخنقهم وذلك بتجاهلهم وعدم التورط في معارك هامشية بالرد عليهم، فلا يطش لحماقاتهم حلمك، واكتم أنفاسهم بالمزيد من العطاء والنجاح وسيذوب بعدها باطل افتراءاتهم كما يذوب الرصاص في النار ويتلاشى سقيم حديثهم كما تتلاشى الحصيات الصغيرة في أعماق البحار. ومضة قلم: ذوو النفوس الدنيئة يجدون اللذة في التفتيش عن أخطاء العظماء. [email protected]