العاشرة ليلاً في استوديوهاتنا.. إلى حضراتكم نشرة الأخبار.. غمغم ساخطاً: هؤلاء الساسة يقولون ما لا يفعلون، ونحن نصدق ما يقولون ولكننا ننساه فور سماعنا له. أغلقَ مذياع السيارة وهو ما زال يحدث نفسه.. ها هو يبتسم للشوارع الخالية وللأنوار الخافتة لم يشرب كثيراً هذه الليلة حتى يستطيع أن يقود سيارته إنه لا يهرب من واقعه، كما تقول زوجته، ولكنه يعيشه بصورة أجمل. ها أنذا أعيشه بصورة أجمل، قال ذلك وهو يفتح باب سيارته للراكب الجديد حيّته بابتسامة صغيرة، فحياها بأكبر منها. سأل بهدوء وخبث: - إلى أين؟ ردتْ عليه باقتضاب: - نحن لا نعرف إلى أين تقودنا أقدامنا، ومع ذلك نمشي. التزم الصمت.. وراقبتْ هي اللافتات المضيئة بدون تأمل. - كنت أستمع إلى نشرة العاشرة هؤلاء هم ال.... - أعرف أن الوقت متأخر، وستحقق معي إن كنتَ رجل شرطة، وتنصحني إن كنت رجلا ورعا، وتستغلني إن كنت بلا أخلاق. - لستُ واحداً من هؤلاء الثلاثة. - فلا تسأل إذاً. - لم أتعلم الصمت بحضرة الجمال. - ولا تغازل. - اسمعي يا هذه، قد يكون قاسياً ما تسمعين، ولكننا لسنا ملائكة وعقولنا لا تعي مشكلات البشر وأسبابهم، ولكني لا أظن خيراً في خروج في مثل هذا الليل. - لستُ مضطرة لسرد أسبابي، وتستطيع أن تنزلني، ثم مَن منكم وضع للوقت أسباباً، ولماذا تسبلون على الليل كل قبيح وشائن، ألا يغريكم الشيطان نهاراً؟ - لم أقل ما يستحق منك كل هذا الغضب. - لم تكن صافي السريرة عندما توقفتَ لتقلني. - ولم أكن أسودها. - تستطيعون أن تغيروها كما تغيرون ثيابكم، - ربما للخيانة أسبابها. - يقولون: إن الثقة المفرطة شك يقين. - هراء.. أنا لا أثق كثيراً في أقوال الفلاسفة. - هل تريدين منه أن يتركك تفعلين ما تشائين؟ - عندما بدأ صوت شقيقي أشبه بصوت القاطرة، وبدأ يتباهى بشاربه وعضلاته، فتح والدي له كل الأبواب، وأحلّ له ما حرّمه علينا، لقد كان يوصل الليل ببياض الصبح ويعلق والدي: هيه، يا بني لقد أصبحت رجلاً. - لا يقلل هذا من وضعكن. تجاهلتَ رده وألقت إليه بسؤالها في تحدٍ: - نحن نملك الدليل .. فما هو دليلكم؟ لم يطالبنا أحد به، كلمتنا تكفي، ثم أنه لم يخلق الشك فينا وحدنا؛ فزوجتي هي أيضاً لم تمنحني ثقتها. - وأنت لم تهتم لذلك يا سيدي؛ الجزاء من جنس العمل. - لم تحسني الظن بي وهاجمتني بلا داعٍ. - ألم تسمع بأن خير وسيلة للدفاع الهجوم. - تدافعين عن ماذا؟ - عن ضعفي وقلة حيلتي، ولكني لم أطلبه منك. - عيناك فعلتْ كما فعلتْ الآلاف قبلها، كانت قد سبقته حينما أراد الدفاع عن نفسه بأن ينزلها هنا. - قال وهو يبطئ سرعة سيارته: - كان الحديث معك ممتعاً، وأعترف أن بعض ما ذكرت صحيح. قالت وهي تخطو خارج السيارة: - ليس مهماً من يقول الصحيح، المهم من يعمل به. لديّ طلب لا يحتاج لدفاع منك، ما اسمك؟ قالت وهي توليه ظهرها: - (عائشة).. ثم توارتْ في الظلام.