تعتبر السمة الغالبة للجامعات السعودية الحكومية والأهلية هي التقليد والتشابه فيما بينها في كثير من الأمور. أحياناً نعذر الجامعات الحكومية بحكم مرجعيتها الموحدة وتشابه أنظمتها المالية والإدارية، لكن ما هو عذر الجامعات الأهلية أو شبه الأهلية حين نراها مترددة في تبني نماذج ومبادرات مختلفة وجديدة في المنطقة. رغم هذه الظاهرة فإنه توجد نماذج أو مبادرات قليلة تستحق التقدير لمحاولتها الانعتاق من فخ التقليد والنمطية السائدة بالجامعات السعودية، وأحدها موضوع مقالنا اليوم هو كلية دار الحكمة بجدة. وهذه بعض أمثلة تميزها عن الآخرين. سأبدأ بالاسم حيث البعض يسأل كيف نقارن كلية بالجامعات. مكونات كلية دار الحكمة تتجاوز مكونات جامعات أخرى، لكنها احتفظت بهويتها ومسماها الأساسي ولم تسع نحو التقليد بتغيير الاسم. هي كلية تتبعها مدارس جامعية. هذا النظام معروف في كندا والمملكة المتحدة، حيث تجد على سبيل المثال جميع التخصصات الصحية تضمها كلية واحدة يتبعها مدارس وفي ذلك فوائد تعليمية واقتصادية وتنظيمية كبرى، كتقليص البيروقراطية والتكرار في الوحدات الأكاديمية وحجم الهيكل الإداري، وغير ذلك. منذ أن تلتحق الطالبة بالكلية تستلم كتاب الطالبة وفيه شرح لكثير من الجوانب والنظم الأساسية التي تمس حياتها الجامعية والأكاديمية من حقوق وواجبات ومعلومات تحتاج التعرف عليها أثناء دراستها بالكلية. بعض الجامعات يدرس طالبها سنوات وهو لا يعرف كيف يحسب معدله الدراسي ولا يعرف عوامل السلامة بكليته ولا حقوقه ولا مسؤولياته، بينما جميع هذه المعلومات الأساسية توجد بكتاب الطالبة الذي تستلمه الطالبة مع أول يوم دراسة بدار الحكمة. دار الحكمة لديها مركزين مهمين أتمنى أن نراهما في جامعاتنا الأخرى؛ مركز الكتابة ومركز الرياضيات، اللذان يساعدان الطالبات في أداء واجباتهم وبحوثهم في الرياضيات والكتابة بشكل علمي ومنظم. وهي بذلك تغنيهم بشكل كبير عن المكاتب التجارية والخاصة. عندما نأخذ جانب السلامة، نجد أن دار الحكمة تجاوزت مجرد تشكيل اللجان وحضور الاجتماعات العليا إلى المبادرة عملياً بعقد دورة تدريبية محترفة في السلامة والإنقاذ لطالباتها لأنها تدرك أن معنى جعل الطالبة محور الاهتمام يشمل تدريبها على السلامة والإنقاذ. الأنشطة الطلابية تشكل اختياراً مهملاً غير منظم في بعض الجامعات، لكنه في دار الحكمة محكوم بنظام أو سجل يرصد جميع أعمال الطالبة اللاصفية والتطوعية طيلة دراستها الجامعية، بل إنه أحد متطلبات الدراسة بدار الحكمة القيام بأعمال تطوعية واجتماعية تقديراً لأهمية ذلك في بناء شخصية الطالبة ومهاراتها الحياتية والاجتماعية. وتقوم الكلية بتنسيق ذلك لطالباتها داخل الكلية وخارجها أثناء العام الدراسي وفي الإجازات. على مستوى المناهج تتميز دار الحكمة بتميز سنتها التحضيرية، حيث نجدها تتيح للطالبة المتميزة في اللغة اجتياز سنة اللغة أو جزءاً منها وتتيح للطالبة التسجيل مباشرة في تخصص محدد أو التسجيل كطالبة جامعة ريثما تتعرف وتختار التخصص المناسب لها. كما أن هناك اختبارا ومقابلات لتحديد ميول التخصص للطالبة المستجدة. منذ بداية السنة الأولى تبدأ الطالبة بأخذ مواد في التخصص، إضافة إلى تطبيقات ميدانية بشكل متدرج وبالتالي تبدأ في تقدير وتقهم طبيعة التخصص والانسجام فيه مبكراً. بعكس الجامعات التي تنهك الطالب في سنته الأولى بطرق لا تراعي الفوارق بين الطلاب، كما تقوم لاحقاً بضغط مواد التخصص في وقت قصير لا يتمكن فيه الطالب من الاستيعاب والتقدير للتخصص بالشكل الكاف. دار الحكمة تعتبر مؤسسة غير ربحية، كتبنا عنها كنموذج للكلية التي تجعل مفهوم «الطالب أولاً» يتحقق بشكل كبير، ونرجو أن يكون ذلك ديدن جميع الجامعات السعودية. [email protected] لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm