(أحبط) رئيس هيئة سوق المال الجديد نفسيات المتعاملين في سوق الأسهم المحلية، وكأنها (ناقصة) وتحتاج للتشهير بها بإصدار أي قرار سلبي ضد (الشركات) والمتعاملين. فما حدث يوم الثلاثاء الموافق 16 إبريل الجاري من لدن معاليه، حين وجّه سهام الاتهام ضد ثلاث شركات عبر الصحف، ومن بينها (الجزيرة)، لمساءلتها (هل لديها أخبار جوهرية لكي ترتفع بالنسب القصوى لمدة عشر جلسات متتالية؟) قد أضر بجميع المتعاملين، ومن بينهم (المضاربون) الذين ردوا الصاع صاعين - كما يقول المثل الشعبي - لهيئة سوق المال، والذين أنزلوا السوق متعمدين، وتضامنوا مع مضاربي الشركات الثلاث؛ حيث نزل أكثر من 25 سهماً بالنسبة الدنيا، وفي الدقائق العشر الأولى؛ ما جعل نفسيات جميع المتعاملين في (الحضيض)، وأثر ذلك على بقية الأسهم التي لا ذنب لها، في الوقت الذي كانت فيه أسواق العالم تتوهج وتتوشح باللون الأخضر..! لقد ظل رئيس هيئة سوق المال وطاقمه العامل معه يتفرج على هذه الأسهم وهي تحقق النسب الخضراء المضاربية لمدة عشرة أيام متتالية، وحين وصل أحدها إلى 245 ريالاً أراد أن يعالج الخطأ بخطأ أكبر منه، وكان حرياً به أن يتخذ قراراً سرياً دون التشهير بالشركات التي يعتقد هو أن فيها مخالفة أو تلاعباً أو مضاربة حامية الوطيس دون التأثير في بقية أسهم الشركات الأخرى، كأن (يجمد) المحافظ التي تتلاعب في الأسهم الثلاثة مثلاً أو (التشهير) ببعض (المضاربين) كما فعل سلفه، مع العلم أن هناك ثلاث أو أربع شركات صغيرة صعدت إلى أرقام فلكية في عهد رئيس الهيئة السابق، ولم يأتِها أي توجيه أو إنذار أو تشكيك؛ لأن أي سوق في العالم لا يخلو من المضاربة (المحمودة) والمضرة أيضاً. إن (سوق الأسهم) لدينا (مريضٌ) وميئوس منه، وهناك صناديق وبنوك تلعب فيه، و(هوامير) ليس في قلوبهم رحمة، همهم (المال) ولا غيره، وليُغرق الطوفان مَن بعدي.. فقد اقتات هذا (الثلاثي) على أموال (المساكين)، وسرقهم في (وضح النهار)، ولم يشبعوا طوال السنوات الفارطة، وركَّعوا السوق لرغباتهم الخاصة مخالفين جميع الأعراف والأصول في الأسواق المماثلة! نعم، إنها الحقيقة التي لم يستطع أي من الرؤساء السابقين ولا الرئيس الحالي حلها وكبح هؤلاء وإيقافهم عند حدهم؛ فقد كانت (الصناديق) و(البنوك) و(الهوامير) الثلاثي المرعب في تحطيم نفسيات المتعاملين على مدى ثمانية أعوام دون أن يتجرأ عليهم أحد أو يعاقبهم! فالمسؤولون في هيئة سوق المال السعودية، وعلى مدى الأعوام الماضية - وهي التي شهدت الانهيار العظيم منذ 25 فبراير 2006م - يفردون عضلاتهم على مضارب بسيط، يريد أن ينعش السوق، ويسلطون سياطهم تجاه سهم يصعد بالنسب العليا لجلسات عدة، قد تعوض البعض عما لحق به من خسائر فادحة في السنوات (البائدة)، ويغضون الطرف عن كل صندوق أو بنك أو هامور (لئيم) يسيل (محفظته) لتدمير السوق وعودته إلى (الصفر) محققاً أرباحاً خيالية على حساب الأفراد الذين باعوا كل شيء في حياتهم ما عدا (أسرهم)؛ لكي يعوضوا، ولكنهم يصدمون كل مرة بواقع هذا السوق المرير! إن الحديث عن سوق الأسهم عندنا يحتاج إلى مجلدات، ويحتاج إلى روايات وقصص ترويها الأجيال التي شهدت هذا الانهيار للأجيال القادمة، فالذي حدث فيه لم يحدث في أي سوق في العالم، لا من قبل ولا من بعد! إن جميع أسواق العالم (ارتدت) وعادت بالمكاسب العظيمة، وعوضت (المتعاملين) فيها، إلا (سوقنا) الذي يتحكم فيه (ثلة) هدفها تدمير المواطنين، وسلب ما معهم من أموال، وجعلهم فقراء طوال حياتهم! في أزمة سوق الرهن العقاري الأمريكي التي حدثت في أمريكا عام 2008م نزل (الداوجونز) إلى 6000 نقطة، والآن وبعد أربع أو خمس سنوات ها هو يلامس ال 15000 نقطة كاسباً 150 %، وها هو ال(نيكي) الياباني يحقق أعلى قمة تاريخية يوم الخميس الماضي بوصوله قرب ال 14000 نقطة، وها هي الأسواق الأوروبية التي حدثت فيها مشكلة انهيارات اقتصاديات بعض دولها (تتعافى)، وتعود مرة أخرى إلى نبض الحياة والاقتصاد. ولا تذهبوا بعيداً، وانظروا إلى الأسواق المجاورة، أقصد (أسواق الخليج)، التي حققت خلال الأشهر الستة الماضية نسبة صعود تجاوزت 40 % لبعضها، منها دبي التي صعدت من 1400 نقطة إلى أكثر من 2000 نقطة، وأبو ظبي التي صعدت من 2300 نقطة إلى 3000 نقطة والكويت التي حلق مؤشرها من 6100 نقطة إلى ما يزيد على 7200 نقطة؛ ليتجاوزنا في بضعة أشهر ونحن الذين ننتظر منذ ثماني سنوات صعود (مؤشرنا)، لكنه كل مرة يخذلنا ويعيدنا إلى (المربع الأول)! المؤسف أن سوقنا لا يتجاوب مع وضع (اقتصادنا) القوي؛ فقد حققت المملكة في العقد الأخير أكبر الإنجازات الاقتصادية، سواء من مدخول النفط الهائل أو بانضمام المملكة لاقتصاديات أكبر عشرين دولة في العالم، أو حتى احتلالها المقدمة في الاقتصادات العالمية الناشئة، أو للنهضة العمرانية الشاملة في المجالات كافة.. كل تلك العوامل - وللأسف - مجتمعة لم تؤثر في سوق الأسهم السعودية، وهنا تكمن (الحيرة)! الأدهى والأمرّ من ذلك أن أسواق العالم ظلت تصعد باستمرار، وفي (دربي) لا يشق له غبار، وسوقنا المسكين يخالف تلك الأسواق، ولا يتجاوب معها في الصعود! بل إنه وفي حالة (جني أرباح) خفيفة في الأسواق العالمية يتجاوب ويستسلم لها بكل سهولة، ويجني أرباحاً وخسائر عكسية! إن جميع أسواق العالم تهبط وتصعد وتصحِّح وتعود كما كانت أو أفضل، في دورة اقتصادية لا تزيد على ثلاث إلى خمس سنوات، ولكن سوقنا يحتاج إلى 100 سنة كي يعود! وإلا ما تفسير الجميع، وخصوصاً المتعاملين في هذا السوق، للبقاء 8 سنوات (مكانك راوح)؛ لتصل أسعار بعض الأسهم من خانة الآلاف إلى خانة العشرات، بل إن بعض الأسهم فيه لا تساوى قيمتها الدفترية أو حتى سعر (الاكتتاب) بها! إن الحديث يطول عن هذا السوق الذي لن يُشفى إلا بمشيئة الله، لا بمشيئة الحاقدين من البشر أو المتلاعبين فيه، وأقول: رحم الله من مات (مغبوناً) من هذا السوق، وشفى الله من يقطن في المستشفيات بسببه بعد أن حاصرته أغلب أمراض العصر من ضغط وسكر، وفرج الله كربة من يعيش وراء القضبان وسيقضي بقية عمره فيه بسبب الديون العظيمة التي تراكمت عليه طوال السنوات الثماني العجاف، وكل ما أقول {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وحسبنا الله على من كان السبب، والله المستعان من قبل ومن بعد. - عبدالله الكثيري